جنود الاحتلال يعترفون بتلقي أوامر بقتل طالبي الإغاثة في غزة

اعترف جنود من قوات الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق النار عمدًا على فلسطينيين كانوا ينتظرون المساعدات الغذائية في قطاع غزة، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين العُزّل، وذلك بناءً على أوامر مباشرة صادرة من قياداتهم العليا، حسبما أفادوا في تصريحات لصحيفة “هآرتس” العبرية.
في تصريحات صادمة تكشف عن انتهاكات جسيمة بحق الفلسطينيين، أوضح جنود وضباط إسرائيليون أن ما جرى عند نقاط توزيع المساعدات لم يكن نتيجة حادث عرضي أو اشتباك، بل كان سلوكًا ممنهجًا بأوامر من القادة. وأكد الجنود معرفتهم اليقينية بأن الضحايا لم يشكلوا أي تهديد، وأنهم جاؤوا فقط للحصول على المساعدات الغذائية الضرورية وسط حالة الحصار الخانقة التي يعيشها القطاع.
وذكر أحد الجنود لوكالة “هآرتس”: “تلقينا أوامر مباشرة بإطلاق النار على المحتشدين للحصول على المساعدات، رغم علمنا أنهم لا يحملون أي سلاح ولا يهددوننا”. ووصف الجندي ذاته مراكز توزيع المساعدات بأنها “ساحة قتل”، مضيفًا: “في مكان تواجدي، كان يُقتل ما بين شخص وخمسة أشخاص يوميًا.”
هذه الشهادات تثير مخاوف متزايدة بشأن تصاعد الانتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين، خاصة في ظل تزايد الاعتماد على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة في قطاع غزة الذي يُعاني من ظروف إنسانية متفاقمة.
وقال ناشط حقوقي فلسطيني (لم يُفصح عن اسمه لأسباب أمنية): “هذه الاعترافات تمثل دليلاً واضحًا على السياسات المنهجية التي تقوض كل القواعد الأخلاقية والمواثيق الدولية، وتدعو إلى تحقيق عاجل من المجتمع الدولي لضمان حماية المدنيين الأبرياء.”
من جهته، شدد أحد أفراد طاقم المساعدات الإنسانية المحليين: “نحن نشهد مآسي يومية وسط محاولات يائسة لتحصيل الغذاء، وكل من يسعى لمساعدة المحتاجين يصبح هدفًا محتملاً. نحن بحاجة إلى تدخل دولي فوري.”
ومضى الجندي يقول: “إنهم يُعاملون كقوة معادية، لا توجد أي إجراءات للسيطرة على الحشود، ولا غاز مسيل للدموع، فقط نيران حية بكل ما يمكن تخيله من أنواعها، رشاشات ثقيلة، وقاذفات قنابل يدوية، وقذائف هاون”.
وكانت سلطات الاحتلال قد منعت دخول جميع المساعدات والبضائع إلى قطاع غزة لما يقارب ثلاثة أشهر ابتداءً من مارس/آذار، مما دفع سكان القطاع المحاصر، البالغ عددهم مليوني نسمة، إلى أزمة جوع خانقة.
وفي أواخر مايو/أيار، بدأت مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)، وهو منظمة إغاثة أُطلقت مؤخرًا وأثارت جدلًا، بتوزيع طرود غذائية محدودة في أربعة مواقع تعمل عادةً لمدة ساعة واحدة فقط كل صباح، وفقاً لما ذكرته هآرتس.
وأفاد ضباط وجنود لصحيفة هآرتس أنهم أطلقوا النار على الفلسطينيين الذين وصلوا قبل ساعات العمل لمنعهم من الاقتراب، ثم أطلقوا النار مرة أخرى بعد إغلاق المراكز “لتفريق” الحشود، رغم أن أحد الجنود أفاد بأنه “لا أعلم بوقوع أي حادثة ردّ على إطلاق النار، لا يوجد عدو، ولا أسلحة”.
“بمجرد أن يفتح المركز أبوابه، يتوقف إطلاق النار، ويعرفون أن بإمكانهم الاقتراب، وسيلة تواصلنا معهم هي إطلاق النار”
وذكر الجندي: “كنا نطلق النار في الصباح الباكر من على بُعد بضع مئات من الأمتار إذا حاول أحدٌ الوقوف في الصف، وأحيانًا كنا نهاجمهم من مسافة قريبة رغم عدم وجود أي خطر على القوات”.
وفي المنطقة التي خدم فيها ذات الجندي، أُشير إلى العملية باسم “عملية السمك المملح”، نسبةً إلى لعبة أطفال إسرائيلية.
وقتلت قوات الاحتلال ما لا يقل عن 550 فلسطينيًا كانوا ينتظرون تلقي المساعدات، وجرحت أكثر من 4000 آخرين حتى الآن.
وأفادت صحيفة هآرتس أن وحدة المدعي العام العسكري أصدرت تعليماتها إلى آلية تقييم تقصي الحقائق التابعة لهيئة الأركان العامة للجيش، وهي هيئة مُكلفة بمراجعة الحوادث التي قد تُشكل انتهاكات لقوانين الحرب، للتحقيق في جرائم حرب مُشتبه بها في مواقع المساعدات.
التجويع سلاح حرب يذكر أن خبراء الأمم المتحدة اتهموا جيش الاحتلال مرارًا وتكرارًا باستخدام التجويع سلاح حرب.
ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، فإن هناك تزايداً في عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية “بمعدلات مقلقة”، حيث أُدخل 5119 طفلًا تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وخمس سنوات إلى المستشفيات لتلقي العلاج من سوء التغذية الحاد في شهر مايو/أيار وحده.
ودعت مجموعة من 15 منظمة حقوقية وقانونية إلى تعليق عمليات الإغاثة التي تقدمها مؤسسة غزة الإنسانية، محذرة من أن هذه المبادرة قد تكون متواطئة في جرائم دولية وانتقدت افتقار المؤسسة إلى “الشفافية والنزاهة والمساءلة”، مشيرةً إلى مخاوف بشأن هيكلها الغامض وغياب خطط تشغيلية معلنة للعامة.
ووفقًا لرسالتهم، فإن أسلوب توزيع الإغاثة الجديد، الذي يسعى إلى انتزاع التوزيع من منظمات الإغاثة الرئيسية التي تقودها الأمم المتحدة، يُمثل “تحولًا جذريًا وخطيرًا عن عمليات الإغاثة الإنسانية الدولية الراسخة”.
وأضافت الرسالة أن “توزيع المساعدات المُخصخص والمُعسكر” “مهينٌ للإنسانية، ويُسبب الموت بشكل متكرر، ويُساهم في التهجير القسري للسكان الذين يُزعم مساعدتهم”، في إشارة إلى عمليات القتل المُستمرة للفلسطينيين على يد القوات الإسرائيلية بالقرب من نقاط الإغاثة التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية