استمرار الإخفاء القسري بمصر وسط تجاهل تام وتواطؤ سياسي كامل

أشعلت المفوضية المصرية للحقوق والحريات نداءًا جديدًا صريحًا وصادمًا، مطالبة النظام الحالي في مصر بالتصديق الفوري على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الصادرة عن الأمم المتحدة عام 2006، والتي دخلت حيز التنفيذ منذ 2010.
ورغم مرور 14 عامًا على سريانها، ما تزال القاهرة ترفض الانضمام إليها، متجاهلة حجم الكارثة المتفاقمة داخل البلاد طوال السنوات الماضية.
أكدت المفوضية، في أحدث تحرك لها، أن ما يجري ليس مجرد تجاهل أو تأخير روتيني، بل سياسة منهجية كاملة تهدف إلى حماية من تورطوا في جرائم الإخفاء القسري تحت غطاء رسمي.
وأوضحت أن السلطات وافقت مؤخرًا وبشكل شكلي فقط على بعض التوصيات الدولية الداعية للتصديق، لكنها لم تتخذ أي خطوة عملية، ولا حتى أبدت أدنى إرادة سياسية لوقف واحدة من أبشع الجرائم التي تمارس على نطاق واسع.
كشفت حملة “أوقفوا الاختفاء القسري”، التي أطلقتها المفوضية منذ عام 2015، عن توثيق 4677 حالة اختفاء قسري حتى أغسطس 2024، بينها 438 حالة جديدة وقعت فقط خلال الفترة بين أغسطس 2023 وأغسطس 2024، من بينهم 19 امرأة.
ورغم ضخامة هذه الأرقام، إلا أن الواقع يبدو أكثر سوداوية، وسط صمت الأجهزة الرسمية وتعتيم إعلامي وأمني خانق، يمنع الكشف عن الأعداد الحقيقية التي قد تكون أضعاف ما تم توثيقه.
زعم مراقبون أن رفض التصديق ليس سوى ستار سياسي يهدف إلى تحصين الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية من الملاحقة الدولية، خاصة أن الاتفاقية تُعرّف الإخفاء القسري كجريمة دولية تستوجب التحقيق والمحاسبة.
وأشاروا إلى أن الإقرار بالاتفاقية سيفتح أبواب المساءلة على مصراعيها، وهو ما لن يقبله النظام، الذي جعل من الإفلات من العقاب أحد أهم ركائزه.
أوضح خبراء أن الإخفاء القسري تحوّل في مصر إلى أداة قمع أساسية، تُستخدم ضد المعارضين السياسيين والصحفيين وحتى بعض عناصر الأجهزة ذاتها، ضمن معادلة مرعبة لا تعترف بالقانون أو الحقوق.
ورغم قبول النظام لتوصيات بعض الدول خلال مراجعة الأمم المتحدة، مثل كوت ديفوار وفرنسا والمكسيك، إلا أن هذا القبول جاء شكليًا لا يتجاوز صفحات التقارير، بينما الوقائع على الأرض تؤكد استمرار الانتهاكات دون توقف.
شددت المفوضية على أن التصديق على الاتفاقية ليس مجرد توقيع، بل التزام قانوني يستوجب تعديل التشريعات المحلية وتجريم هذه الجريمة بوضوح، وإغلاق مقار الاحتجاز السرية، وإنشاء منظومة رقابية فعالة لتعويض الضحايا وإنصاف أسرهم. لكن الواقع يشهد استمرار التواطؤ، مع تمسك النظام بقوانين مطاطة تسمح بالاحتجاز لأجل غير مسمى، وإعادة تدوير المعتقلين في قضايا جديدة كحلقة لا تنتهي من الظلم.
أردف التقرير الأممي الصادر في يناير الماضي بـ343 توصية من 137 دولة طالبت بوقف الإخفاء القسري، وإنهاء تدوير المعتقلين، وضمان حرية الصحافة، وإطلاق سراح السجناء السياسيين. لكن حتى هذه اللحظة، لا وجود لأي تحرك فعلي، وكأن هذه الدعوات موجهة إلى جدار أصم.
استدرك محللون بالقول إن الحل لن يأتي من الداخل، بل من ضغوط دولية حقيقية تربط التعاون السياسي والاقتصادي مع النظام باحترام حقوق الإنسان ووقف الجرائم التي لا تسقط بالتقادم.