
هل يعقل أن تتحول قبة البرلمان، التى كانت في يوم ما منبرًا لصوت الناس، إلى طاولة قمار يجلس عليها رجال الأعمال وسماسرة السياسة؟ هل بلغ بنا الانحدار أن يصبح المقعد النيابي سلعة تُعرض في مزاد، وتُباع على الملأ بلا حياء؟
نعم، نحن نعيش هذا الواقع الآن؛ لا حاجة للكلمات المنمّقة، ولا مكان للتلميحات؛ هذه انتخابات مبنية على الفلوس، وبالفلوس فقط.
لا برامج، لا رؤى، لا مشروع وطني، فقط حقائب أموال تتنقل من المكاتب المغلقة إلى جيوب متنفذين يتقنون فن “السبوبة السياسية”.
المرشحون لا يسألون عن موقفك من التشريع أو الرقابة، بل عن رصيدك البنكي؛ لا يسألون عمّا قدمت لمجتمعك، بل كم يمكنك أن تدفع لتأخذ مكانًا في القائمة أو تُزكّى لكرسي فردي.
يقولون: “الديمقراطية صندوق”؛ وأنا أقول: هذا الصندوق أصبح صندوق نذور، لا يُفتح إلا على أيدي أصحاب الملايين؛ من يملك يدفع، ومن لا يملك يُقصى، بصرف النظر عن مؤهلاته أو تاريخه.
أصبحت مقاعد مجلس الشيوخ في 2025 لا تُمنح إلا وفقًا لقانون العرض والطلب؛ الأسعار؟ تبدأ من 10 مليون جنيه، وتصل في بعض المناطق إلى 50 وربما 100 مليون؛ كأننا نشتري شققًا فاخرة في منتجعات الساحل الشمالي، لا مقاعد تمثيلية يُفترض أنها لصوت الناس!
كل ما يجري الآن هو جريمة سياسية مكتملة الأركان، تُرتكب بعلم الجميع وتواطؤ من الكبار والصغار؛ الأحزاب؟ لا تبحث عن الأصلح، بل عن الممول.
بعضهم لا يخجل من عرض القائمة للبيع لمن يدفع أكثر؛ اختفى النضال، تبخّر المشروع، ولم يبقَ سوى تكتلات مريبة يتحالف فيها المال مع الطموح الشخصي ليصنعوا “نواب السبوبة”.
أسوأ ما في الأمر أن هؤلاء الذين يشترون مقاعدهم اليوم، سيكونون غدًا مشرّعين لقوانيننا، ورقباء على أداء حكومي لا يعرفون عنه شيئًا، لأنهم ببساطة لا يجيدون إلا “الخدمة الخاصة”، لا العمل العام.
هم لا يمثلونني، ولا يمثلون أي مواطن حقيقي؛ هم لا يرون الناس، بل يرون جمهورًا يُستدعى كل خمس سنوات ليدلي بصوته، ثم يُعاد إلى الهامش ليُحكم من نخبة مالية، لا سياسية.
نحن لا ننتخب نوابًا، بل نمنح شرعية مؤقتة لعصابة تشتري موقعها ثم تبيعه مرة أخرى من تحت الطاولة في شكل مصالح ومنافع وصفقات.
أسفي على وطنٍ أصبح المقعد التشريعي فيه شهادة استثمار، لا تكليفًا وطنيًا؛ وأسفي على شارعٍ يهلل أحيانًا لأسماء دفعت، لا لأسماء خدمت.
إلى متى سنصمت؟ إلى متى نعيش تحت قبة تمثّل “البيزنس” لا “الناس”؟ إن لم نصرخ الآن، فمتى؟ إن لم نفضح هذا العار، فمن سيفعل؟ الديمقراطية لا تُبنى بالنقود، بل تُبنى بالإرادة والعقل والضمير؛ أما ما نراه الآن، فهو انتحار سياسي علني، وشهادة وفاة للتمثيل النيابي في مصر.