شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب: في العلمين، هل تُلعب القاهرة دور الوسيط، أم أنها ما زالت أسيرة دور اللاعب؟

هل من الممكن أن يتحول من تماهى مع أحد أطراف النزاع، إلى حَكَم نزيه؟

وهل يستطيع من ساندَ أحد الخنادق، أن يقود البلاد نحو جسر العبور المشترك؟

لليبيا عند مصر وزنٌ يتجاوز الجغرافيا:

حدود رخوة تمتد لأكثر من ألف كيلومتر،

مخاوف أمنية متكررة تتسرب عبرها

وسوق إعادة إعمار تقدّر بمليارات الدولارات…

لكن هل تسمح هذه الاعتبارات لمصر بأن تُمسك بالعصا من المنتصف؟

أم أنها، ومنذ ٢٠١٤، قد ارتضت لنفسها موقعًا منحازًا شرقًا، مسنودةً بتحالفات علنية مع حفتر، وشرعية يزكّيها برلمان طبرق؟

الخطاب الرسمي يواصل التغنّي بـ«السيادة الليبية»، و«الحل السياسي الشامل»، و«ضرورة تنظيم انتخابات متزامنة»…

لكن الواقع لا يوازي البيان.

فالقاهرة، بدلاً من أن تُوازن بين الفرقاء، ضاعفت الكفّة لصالح طرفٍ واحد، فأين الإنصاف؟

تدعو إلى صناديق الاقتراع، بينما تُسلّح التفاوت في المواقف والمصالح… فهل تُبنى الديمقراطية بأدوات الانتقاء، لا بالضمانات المتساوية؟

المبادرة المصرية مهما تلطّفت مفرداتهالا ليست نزهة دبلوماسية…

بل امتدادٌ لرؤية أمنية ترى في #ليبيا خاصرة رخوة يجب تحصينها.

تحصينٌ لا يخلو من شهوة الاستثمار، وسعيٍ لتعويض أزمة اقتصادية متأججة في الداخل المصري…

ومن هنا، يصبح الحديث عن “دور شقيق” أقرب إلى خطابٍ علاقاتي من كونه مشروعًا مخلصًا لإنقاذ وطن ممزق.

الأكثر إلحاحًا هو ما يُطرح عن الانتخابات كـحلٍّ عاجل”…

لكن، هل من انتخابات بلا قانون موحّد؟

هل من اقتراع في ظل انعدام الثقة وتعدد الحكومات؟

هل من ضمانة ألا يُستخدم صندوق الانتخاب كسُلّم لشرعنة القوة، أو لإعادة تدوير الهيمنة؟

أم أن القاهرة تلوّح بهذا المسار لتُبقي الباب مفتوحًا أمام “خيار القوة” إن فشل خيار الصندوق؟

الأهم من كل ذلك، ماذا يقول الليبيون؟

في الشرق، يرون في مصر الحليف الموثوق.

أما في الغرب، فصورتها محاطة بالريبة، وتُقرأ كطرفٍ لا كراعٍ، وكصاحب مصلحة لا كشاهد عدالة.

وربما لا تُلام القاهرة وحدها…

ففي ليبيا، كل “الوسطاء” منحازون: الإمارات، روسيا، تركيا…

وكلّهم –رغم التناقض– يشتركون في أمرٍ واحد: تقاسم ظلّ الأزمة، لا إنهاؤها.

وبين كل هذا الضجيج، يبقى صوتٌ واحدٌ هو الأصل:

صوت ليبيا… لا من ينطق باسمها، بل من يصغي إليها.

فالحل لن يُصنع في العلمين، ولا يُفصّل في أنقرة، ولا يُبرم في موسكو…

بل في لحظة يُدرك فيها الليبيون أن خلاصهم لن يأتي من الخارج،

بل من مصالحة الداخل مع نفسه، وبناء شرعية لا تُكتب في العواصم بل في الشوارع الليبية التي ما زالت تنزف.

إن أرادت مصر أن تلعب دورًا حقيقيًا، فعليها أن تنزل عن منصة التحكم، وتصعد إلى منصة الدعم.

أن تكون مرساة استقرار، لا مطرقة وصاية.

أن تمتد يدها، لا لتوجّه البوصلة، بل لتمنع السفينة من الغرق

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى