مقالات وآراء

إسلام الغمري يكتب: إلغاء تصنيف “تحرير الشام”..خطوة في الاتجاه الصحيح نحو الاعتراف بسوريا الجديدة


أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرًا قرارًا لافتًا بإلغاء تصنيف “هيئة تحرير الشام” كمنظمة إرهابية أجنبية، في تطوّر يحمل دلالات سياسية عميقة تتجاوز البعد القانوني أو الإداري، ليعكس تحولًا فعليًا في طريقة تعاطي واشنطن مع الواقع الجديد في سوريا.

هذا القرار، في توقيته ودلالته، يُمثّل – برأي كثيرين – خطوة في الاتجاه الصحيح، ويفتح الباب أمام إعادة صياغة العلاقة بين القوى الدولية والحكومة السورية القائمة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، الذي يدير شؤون البلاد من العاصمة دمشق، منذ نهاية عام 2024، بعد رحيل نظام بشار الأسد.

أولًا: الاعتراف بالواقع… لا عودة إلى الوراء

لقد أصبحت سوريا اليوم تحت إدارة جديدة، تتبنّى خطابًا وطنيًا جامعًا، وتسعى إلى استعادة الدولة من بين ركام الحرب والانقسام. ولم يعد ممكنًا تجاهل أن هيئة تحرير الشام، التي كانت تُصنّف سابقًا ضمن الحركات المسلحة، قد أصبحت الآن مكوّنًا أساسيًا في بنية الحكم الجديد، وتمثل الكتلة الأكبر ضمن الحكومة السورية، بقيادة رئيسها أحمد الشرع.

وبالتالي، فإن إلغاء التصنيف الأمريكي لا يُقرأ فقط كخطوة قانونية، بل يُعدّ بمثابة اعتراف ضمني بشرعية النظام القائم، وبالتحوّلات السياسية التي شهدتها البلاد خلال العام الأخير.

ثانيًا: وحدة القيادة والمسار

من الحقائق الراسخة أن الرئيس أحمد الشرع، هو القائد الأعلى في البلاد، ورئيس هيئة تحرير الشام في الوقت نفسه. ولا يوجد في الساحة السورية، أو حتى الدولية، من يُحاول الفصل بين شخصه وبين الهيئة التي تشكّل العمود الفقري للدولة الجديدة. بل إن هذا التلازم السياسي والمؤسسي بين القيادة والتنظيم، هو ما منح المشروع السوري الجديد تماسكه واستمراريته.

وبهذا المعنى، فإن كل تقارب دولي مع الهيئة، أو أي خطوة لإعادة النظر في تصنيفها، هي بطبيعة الحال تقارب مع الدولة السورية بقيادتها الحالية، وبرنامجها الإصلاحي الوطني.

ثالثًا: القرار الأمريكي… لماذا الآن؟

توقيت القرار الأمريكي ليس عفويًا. فالإدارة الأمريكية تدرك أن المشهد السوري قد تغيّر، وأن سوريا لم تعد ساحة مستباحة للقوى الخارجية أو مرتعًا للفوضى المسلحة. بل هناك اليوم دولة تُدير المؤسسات، وتعمل على استعادة الخدمات، وتفتح الباب لحوار داخلي هادئ، دون الخضوع للضغوط الدولية أو الإملاءات الإقليمية.

كما أن هذا القرار يأتي في ضوء مراجعة أمريكية شاملة للأولويات في المنطقة، حيث بات من الضروري التمييز بين الفاعلين الجادين في إدارة الاستقرار، وبين الجماعات العابرة التي تتغذى على الفوضى. وفي هذا السياق، برزت هيئة تحرير الشام – باعتبارها النواة الحاكمة في سوريا الجديدة – كطرف يمكن التعاطي معه سياسيًا في إطار التفاهمات الإقليمية والدولية.

رابعًا: لقاء الرياض… لحظة فارقة

من المهم التذكير هنا باللقاء التاريخي الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض، بوساطة مباشرة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

ذلك اللقاء، الذي وُصف حينها بأنه “نقطة تحوّل في العلاقات الدولية مع سوريا الجديدة”، مثّل كسرًا للحصار السياسي، وأعاد تعريف موازين القوة في الملف السوري. ووفق مصادر دبلوماسية، فقد تم خلال اللقاء التفاهم على ضرورة فتح صفحة جديدة مع دمشق، تكون فيها الأولوية لمكافحة الإرهاب، وضمان استقرار المنطقة، وإعادة الإعمار، ضمن مشروع وطني سوري خالص.

ولا شك أن القرار الأمريكي الأخير بإلغاء التصنيف هو أحد الثمار السياسية لذلك اللقاء المفصلي، الذي أنهى سنوات من الجفاء، وأعاد ترتيب العلاقات وفق منطق المصالح المشتركة.

خامسًا: مكاسب القرار وانعكاساته

داخليًا، يُمهّد هذا القرار الطريق أمام انفتاح أوسع مع المجتمع الدولي، ويُعزّز الثقة في مشروع الدولة، ويُعطي رسالة إيجابية للمستثمرين والمنظمات الإنسانية الراغبة بالعودة إلى سوريا.

إقليميًا، يفتح الباب أمام مزيد من التقارب العربي مع الحكومة السورية، وخصوصًا من قبل الدول الخليجية التي باتت ترى في دمشق الجديدة حليفًا موثوقًا في مواجهة النفوذ الإيراني والتطرف الطائفي.

دوليًا، قد يُشكّل هذا القرار نقطة انطلاق لسلسلة من التحركات التي تشمل إعادة فتح السفارات، وتوسيع التعاون الأمني، وربما رفع ما تبقى من العقوبات، بما يفتح المجال لاستقرار فعلي يبدأ من الداخل.

سادسًا: سوريا تستعيد مكانتها… والعالم يعيد حساباته

لقد بات واضحًا أن العالم بدأ يُعيد النظر في أدواته القديمة، وأن زمن التصنيفات الجاهزة قد انتهى. فالدول لا تُقاس بشعاراتها بل بقدرتها على توفير الأمن والخدمات لشعبها، وهو ما نجحت فيه الحكومة السورية الحالية بدرجة ملموسة، رغم الحصار والظروف الصعبة.

والقرار الأمريكي ليس نهاية المطاف، بل هو مؤشر على بداية جديدة، تتطلب من كل الأطراف التعامل بندّية واحترام متبادل، بعيدًا عن الوصاية أو التدخل المباشر.

ويبقى الأمل معقودًا على أن تُواصِل الحكومة السورية الجديدة مسارها في ترسيخ قيم العدالة والمواطنة، وتعزيز البناء المؤسسي الذي ينهض بسوريا كلّها، ويُعيد الثقة بين الدولة والمجتمع، ويُكرّس نموذجًا وطنيًا جامعًا يُنهي عقودًا من الاستبداد والانقسام.

ختامًا: من التصنيف إلى الاعتراف… سوريا تُكتب من جديد

إلغاء تصنيف هيئة تحرير الشام ليس مجرد قرار إداري، بل هو علامة على تحوّل استراتيجي في التعامل مع سوريا. إنه اعتراف بأن ما حدث في دمشق لم يكن مجرد تغيير سياسي، بل بداية مشروع دولة جديدة تستحق أن تُعامل باحترام، وتُمنح الفرصة لبناء مستقبلها بعيدًا عن العزلة والحصار.

إنها لحظة فارقة في تاريخ المنطقة، وعلى الجميع أن يُدرك أن سوريا اليوم ليست كما كانت، وأن من يحكمها الآن ليس مجرد سلطة انتقالية، بل قيادة وطنية شرعية، تُعبّر عن إرادة شعب، وتطمح لمستقبل يعمّه الاستقرار والكرامة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى