
في مشهدٍ سياسي ودعوي يعجّ بالتقلبات، ويعاني من أزمات الثقة والتكرار والجمود، تبرز الجماعة الإسلامية كأحد التيارات التي حافظت على هويتها، وطوّرت فكرها، وقدّمت نموذجًا نادرًا في الجمع بين الأصالة والاجتهاد، وبين الثبات والواقعية.
لقد نشأت هذه الجماعة من قلب الواقع المصري، وتشكّلت رؤيتها استجابة لحاجات الناس، وتفاعلت مع التحولات الكبرى بعقلية نقدية ومسؤولة.
ولذلك، لا تزال الجماعة الإسلامية تمثل أملًا حقيقيًّا في مستقبل أفضل لمصر، بما تمتلكه من فكر ناضج، وتجارب متراكمة، ورؤية إصلاحية واضحة.
أولًا: رؤية فكرية متجددة… تجمع بين الثوابت والاجتهاد
تميّزت الجماعة الإسلامية بانطلاقها من مرجعية إسلامية أصيلة، لكنها لم تتوقف عند حدود النصوص، بل أعادت فهمها في ضوء المقاصد والواقع المعاصر، ساعية لتقديم خطاب إسلامي واقعي يتصل بحياة الناس.
وقد خاضت الجماعة مراجعات فكرية رصينة، أعادت فيها النظر في مفاهيم مثل الجهاد، والدولة، والمواطنة، والدعوة، والعلاقة بالمجتمع، وذلك بروح علمية مسؤولة، وجرأة صادقة على مواجهة الذات.
وجه التميّز
خطاب فكري يتسم بالعمق والمرونة، يجمع بين الأصول الثابتة والاجتهاد الواعي، ويعبّر عن سعي دائم للتطوير.
ثانيًا: ممارسة سياسية مسؤولة… يحكمها العمل من أجل الوطن والمصداقية
لم تتعامل الجماعة الإسلامية مع السياسة كوسيلة انتهازية، بل كمسؤولية وطنية، فأسّست “حزب البناء والتنمية” ليُعبّر عن توجهاتها داخل الإطار الدستوري.
وقد عُرف عنها الوضوح والشفافية والوفاء بالعهود، والابتعاد عن المناورات السياسية والاصطفافات المصلحية.
وكانت مواقفها – في أوقات الأزمات – مثالًا على تقديم مصلحة الوطن على المصلحة الحزبية، وعلى الصراحة والمكاشفة في الخطاب، دون تلاعب أو ازدواجية.
إنّ ما يميّز هذه الجماعة سياسيًّا ليس فقط أنها شاركت في المشهد، بل أنها قدّمت نموذجًا نزيهًا في السلوك السياسي، قائمًا على مبدأ العمل لأجل الصالح العام.
وجه التميّز
المصداقية، والاتساق، والعمل من أجل الوطن بوعي ناضج، وشراكة تقوم على القيم لا المصالح.
ثالثًا: انتماء مجتمعي عميق… وخطاب دعوي واقعي
منذ نشأتها، لم تعتمد الجماعة الإسلامية على النخب وحدها، ولم تنشغل ببناء تنظيم مغلق، بل اختارت أن تخاطب الناس من قلب واقعهم، فظهرت في الجامعات، والمدارس، والأحياء الشعبية، وتفاعلت مع هموم المجتمع على الأرض.
وكان خطابها الدعوي أقرب إلى الناس، يعتمد على التربية والتدرّج، لا على الحشد المؤقت، ويُركّز على البناء لا على الاستعراض، في سلوك واقعي ينطلق من احتياجات المجتمع لا من نظريات معلّبة.
وجه التميّز
التواصل الحي مع الناس، والانطلاق من همومهم اليومية، مع خطاب يوازن بين الوعي والإصلاح والتغيير الهادئ.
رابعًا: تجربة إصلاحية متطورة… تحوّل الألم إلى وعي، والمحنة إلى طاقة
ليست الجماعة الإسلامية مجرد فصيل سياسي أو حركي، بل مدرسة قادرة على التجديد الذاتي.
لقد خاضت محنًا كبيرة، لكنها لم تتوقف عند جراحها، بل حوّلتها إلى منطلق لتصحيح المسار، وإعادة البناء الفكري والتنظيمي بمنهج ناضج ومسؤول.
خرجت الجماعة من تلك المحطات أكثر وعيًا بمسؤوليتها تجاه الوطن، وأكثر واقعية في طرحها، وأكثر ثباتًا على مبادئها.
وفي وقت يُصاب فيه كثير من الحركات بالتيه أو الجمود، تُواصل الجماعة الإسلامية سعيها للتطوير المستمر، والعمل ضمن رؤية إصلاحية شاملة، لا تبحث عن الهيمنة، بل عن الشراكة من أجل الصالح العام.
وجه التميّز
القدرة على التجديد المستمر، وتحويل الأزمات إلى فرص، والخروج من التجربة أكثر نضجًا وواقعية.
خامسًا: خصوصية وطنية… لا ارتباطات خارجية ولا أجندات دولية
من أبرز سمات الجماعة الإسلامية أنها جماعة مصرية خالصة، لم تنشأ بقرار خارجي، ولم تتورّط في تنظيمات عابرة للحدود، ولم تشكّل تهديدًا لأي طرف.
وقد حافظت على طابعها الوطني، وعلى استقلال قرارها، فلم تُوظَّف في صراعات إقليمية، ولم تكن ذراعًا لأي قوة خارجية، وهذا الاستقلال جعلها أقرب إلى وجدان الناس، وأكسبها احترام الخصوم قبل الأنصار.
وجه التميّز
الانتماء الوطني الصادق، والبعد عن التبعية التنظيمية أو الارتباط بالخارج، والعمل من داخل الواقع المصري ولأجله.
خاتمة: جماعة ناضجة… أمل حقيقي في مستقبل الوطن
في زمن تتراجع فيه البدائل، وتضيق فيه المساحات السياسية، تبقى الجماعة الإسلامية أحد أهم مكوّنات الإصلاح الوطني الممكنة، لما تمثّله من توازن بين المبادئ والممارسة، ولما أظهرته من استعداد للتجديد، ولما تحمله من رصيد فكري وتربوي وتنظيمي.
إنها جماعة لا تزال تمثل أملًا في مستقبل مصر، بما تملكه من فكر ناضج، وتجارب متراكمة، ورؤية مسؤولة، وسعي دائم للتطوير والإصلاح.
رؤية فكرية وسياسية واجتماعية متمايزة
كاتب ومحل
( 4 – 7 ) من سلسلة: الجماعة الإسلامية المصرية… من المواجهة إلى الرؤية)