صعود الدولار يهز الجنيه مجددًا رغم وعود التحسن الوهمي المتكررة

سجل الدولار قفزة جديدة وصادمة أمام الجنيه المصري، ضاربًا بكل التوقعات عرض الحائط، بعد أسبوع واحد فقط من الهبوط الذي هلل له البعض وكأنه انتصار اقتصادي عظيم. إذ قفز سعر الصرف إلى 49.84 جنيه داخل بنك مصر، بعدما كان مستقرًا عند 49.38 جنيه فقط قبل أيام قليلة، أي بزيادة وصلت إلى 46 قرشًا دفعة واحدة، بحسب ما أعلنه البنك المركزي صباحًا.
أكدت الخبيرة المصرفية سهر الدماطي أن التغيرات الحالية تأتي ضمن النطاق “الطبيعي” الذي يتراوح بين 2% و4% في ظل ما يسمى بـ”نظام الصرف المرن”، وكأن القفزات المفاجئة لا تعبّر عن فشل واضح في ضبط السوق أو في حماية الجنيه من التدهور المتسارع. وأوضحت أن توتر الأوضاع الجيوسياسية وتداعياتها على الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب موجة استيراد موسعة بهدف التحوط من اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية، كلها ساهمت في تعميق الأزمة.
صعق المتابعون الاقتصاديون من هذا الارتفاع المخالف لكل التوقعات الأخيرة، التي كانت تتحدث بثقة غير مبررة عن تحسن منتظر للجنيه. ورغم هذه الزيادة التي أطاحت بالآمال، كان المحللون لا يزالون يروجون لنظريات تحسين سعر الصرف، إذ رجح هاني جنينة – رئيس وحدة البحوث بشركة الأهلي فاروس – أن الجنيه سيستعيد بعضًا من قيمته بنهاية 2025، ليصل إلى 47 أو 48 جنيهًا مقابل الدولار، مقارنة بسعره الحالي 49.5 جنيهًا. وعود تتكرر، وأرقام تتهاوى، والنتيجة واحدة: المواطن هو الخاسر الدائم.
كشفت وزارة المالية في 17 يونيو عن هروب استثمارات أجنبية بلغت 1.5 مليار دولار من أدوات الدين المصرية في أقل من خمسة أيام فقط، بسبب الحرب بين إسرائيل وإيران. وبرغم انتهاء الصدام العسكري، لا تزال تداعياته قائمة بقوة على أرض الواقع، تدفع ثمنها السوق المصرية التي لم تتعافَ بعد من أزمات متراكمة، بينما تستمر الخسائر في النزيف بصمت.
استمرت الحكومة في ترديد العبارات ذاتها حول “استقرار السوق” و”مرونة النظام”، لكن ما يظهر فعليًا هو انعدام السيطرة وتآكل الثقة، وتزايد المخاوف لدى المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء. تتكرّر السيناريوهات نفسها مع كل أزمة، وسط غياب حلول واقعية أو تدخلات فاعلة لوقف هذا التدهور.
تجاهلت السلطات حقيقة أن ما يحدث ليس مجرد تحرك طبيعي للعملة، بل انهيار تدريجي يتم تغليفه بعبارات مطاطة مثل “نطاق آمن” و”سوق حرة”، بينما تتدهور القدرة الشرائية للمواطن، وتتآكل مدخراته تحت ضغط أسعار صرف متقلبة وغير مفهومة. بدا واضحًا أن ما يُقدَّم من تطمينات لا يصمد أمام ساعة واقع، وأن لعبة الأرقام لم تعد تقنع أحدًا.
تُطرح الأسئلة الكبرى الآن بلا إجابات: أين الخطط الحقيقية لإنقاذ الجنيه؟ أين التحركات الجادة لتثبيت الثقة؟ وما مصير الأسواق التي تنهار تحت وطأة خروج الاستثمارات، وتراجع الاحتياطي، وارتفاع فاتورة الاستيراد؟ كل ذلك يدور في وقت يتلقى فيه المواطن ضربات متتالية، بينما يصمت من بيدهم الحلول أو يكتفون بتفسير الفشل على أنه “حراك طبيعي”.
هكذا يعود الدولار ليتصدر المشهد من جديد، ليس فقط كأداة لقياس الأداء الاقتصادي، بل كمرآة تعكس حجم التخبط والارتباك. وبينما يتكلم البعض عن استراتيجيات طويلة الأمد، لا يرى المواطن إلا يومًا بعد يوم يتدهور فيه الجنيه أمام أعين الجميع، دون رادع أو خطة توقف هذا النزيف المتسارع.