أموال الدولة تُهدر لدعم مهرجانات نخبوية لا تخدم المواطن نهائيًا

فجّرت الحكومة موجة استنكار شعبي واسع بعدما قررت إعفاء ما يُعرف بـ”المهرجانات ذات الطابع القومي” من ضريبة دخول المسارح، في خطوة صادمة حمّلت وزارة المالية عبء ملايين الجنيهات لصالح فعاليات نخبوية لا تمس المواطن العادي بشيء.
جاء القرار مفاجئًا ومجانيًا، دون أي مبرر اقتصادي أو ثقافي واضح، وبدون وجود أي قواعد معلنة تحدد ما هو هذا “الطابع القومي” المزعوم الذي يُمنح امتيازات بلا رقابة أو حساب.
أشار متابعون للملف إلى أن القرار يُشكل عبثًا مكشوفًا بأموال الشعب، حيث تتحمل الدولة – دون أي مقابل حقيقي – تكلفة تنظيم فعاليات تُقام تحت لافتة “ثقافية”، لكنها في واقع الأمر تُدار بمنطق الشللية والمحاباة، وتُقدَّم لفئات منتقاة لا تمثل الشارع ولا تعبّر عن ثقافة الناس.
وتتحول بذلك وزارة المالية إلى محفظة مفتوحة على حساب المواطن، تغطي عجز من يفترض أنهم يحققون أرباحًا من حفلاتهم الخاصة.
أكدت مصادر مطلعة على كواليس المشهد أن هذه الإعفاءات ليست سوى امتيازات مخصصة لجهات بعينها، تُمنح من خلف الستار، فيما تُقصى عشرات المبادرات الثقافية الجادة، وتُحاصر فرق مستقلة لا تملك نفوذًا أو وساطات. وبالرغم من الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، يُصرّ صناع القرار على دعم مهرجانات تُنفق الملايين بينما المواطن يعاني من ارتفاع أسعار الخبز والدواء.
لفت فنانون مستقلون إلى أن هذا الدعم لا يأتي بهدف نشر الثقافة، بل يتم توجيهه لمهرجانات تسوّق لفن استهلاكي سطحي بعيد كل البعد عن الفنون الرفيعة، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى بناء وعي ثقافي حقيقي لا إلى تلميع واجهات فارغة تُعزف لها الموسيقى وتُضاء لها المسارح بينما القرى والنجوع لا تعرف طريقًا إلى الفن.
أوضح نقاد أن غياب الشفافية في هذا الملف يفضح نوايا من يقف خلف القرار، إذ لا يُوجد معيار واضح لتحديد ما هو “الطابع القومي”، ولا من يختار هذه المهرجانات، ولا كيف تُنفق الأموال، ولا من يراقب. ومع ذلك، تُصرف الملايين بلا حساب، ويُرفع شعار “العدالة الثقافية” للتغطية على هدر فج وامتيازات مشبوهة.
زعم مراقبون أن الأمر لا يخرج عن كونه تغطية على فساد ناعم يتم تمريره باسم الثقافة، حيث تُستخدم هذه الفعاليات لتلميع شخصيات محسوبة على السلطة الثقافية، بينما تُقصى الأصوات الحرة والفنون الحقيقية، ويُجرَّف المجال الفني من مضمونه الشعبي لصالح مشهد مصطنع مزيف يُدار من فوق لا من قلب الناس.
استدرك مثقفون ساخطون أن هذه القرارات تكشف انحياز الدولة الكامل لمهرجانات الواجهة التي لا تمثل إلا فئة محددة محظوظة، تُقدّم عروضها في قاعات فارهة بتذاكر باهظة، ثم تتلقى دعمًا مباشرًا من الدولة التي تتجاهل بشكل كامل مسارح الأقاليم والفنانين المهمشين والمواهب التي تُقصى لأنها بلا ظهر أو تمويل.
أردف فاعلون في المجال الثقافي أن هذه السياسات لا تؤدي إلى عدالة ولا نهضة، بل تعمّق التمييز الطبقي داخل الفن نفسه، وتحرم الجمهور الحقيقي من حقه في الوصول إلى فن راقٍ ومتاح، بينما تُنفق الملايين على فعاليات مغلقة النفع، بلا أثر حقيقي، وبلا قيمة تُضاف للمجتمع.
بهذا القرار، لم تعفِ الحكومة مهرجانات فقط من الضرائب، بل أعفت نفسها من أي مسؤولية تجاه الفنون الحقيقية والمواطنين الذين تُنتزع من جيوبهم الأموال لتُمنح لاحتفاليات فاخرة لا تمسّهم من قريب ولا بعيد.