حقوق وحرياتملفات وتقارير

الجنائية الدولية: دلائل موثقة على جرائم حرب جديدة بدارفور السودانية

كشفت المحكمة الجنائية الدولية أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن دلائل موثقة تشير إلى ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور غرب السودان، في خضم الحرب الأهلية المستعرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

وأكدت المحكمة أن هذه الانتهاكات تشمل عمليات اغتصاب جماعي، قتل ممنهج، تجويع متعمد، قصف عشوائي، اختطاف مدنيين، وتطهير عرقي، مما يعيد إلى الأذهان فصول المأساة التي شهدها الإقليم قبل عشرين عامًا.

وقالت نزهة شميم خان، نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، في كلمتها أمام مجلس الأمن

“لدينا أسباب معقولة للاعتقاد بأن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قد ارتُكبت وما زالت تُرتكب في دارفور. المدنيون يُحرمون من المياه والغذاء، والعنف الجنسي يُستخدم كسلاح، والاختطاف بات وسيلة لتمويل الجماعات المسلحة أو تجنيد عناصر جديدة”.

يسيطر على معظم أجزاء دارفور الآن قوات الدعم السريع، بينما لا تزال مدينة الفاشر – آخر معاقل الجيش النظامي بالإقليم – محاصرة، وسط تقارير عن منع دخول المساعدات الغذائية، وقصف ممنهج للأحياء والمستشفيات، واستهداف مباشر للمدنيين على أساس عرقي.

وفي هجوم شنته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين قرب الفاشر في أبريل الماضي، قُتل 11 من عمال الإغاثة، ووصفت إحدى الناجيات المشهد قائلة:

“اقتحم الجنود المسجد، أخرجوا الرجال وأطلقوا النار عليهم أمامنا. من بين القتلى شقيقي، وأحد المكفوفين، وابن إمام المسجد. أصبت في قدمي وأنا أحاول إنقاذ شقيقي”.

وأضافت: “بعد ذلك توجه الجنود إلى مركز منظمة ريليف إنترناشونال وأعدموا تسعة من العاملين، من بينهم امرأة وطبيبة”.

منظمة أطباء بلا حدود وثقت شهادات مرعبة عن “نهب منظم، وعمليات قتل عشوائي أو مقصود، وإحراق منازل وأسواق، واغتصاب جماعي واسع النطاق”، كما أشارت إلى أن “الاختطاف بات مصدر دخل رئيسي لقوات الدعم السريع ومجموعاتها المرتبطة بها”.

الجيش السوداني، من جانبه، اعتمد على القصف الجوي العشوائي باستخدام “البراميل المتفجرة”، ما أسفر عن مئات القتلى من المدنيين في مناطق مثل نيالا وكبكابية وتورا. وأشارت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن هذه القنابل استهدفت أسواقًا ومنازل ومرافق مدنية، بينما رصدت منظمة العفو الدولية مقتل عشرات المدنيين في قصف على كبكابية في ديسمبر الماضي.

وفي تقرير أممي سابق حول سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الجنينة عام 2023، قُدر عدد الضحايا ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف قتيل، في ظل اتهامات بتصفية ممنهجة للمدنيين من قبائل غير عربية، وعلى رأسها قبيلة الزغاوة، وهو ما يثير مخاوف من تكرار السيناريو ذاته في مدينة الفاشر.

الخراب الذي لحق بالبنية التحتية شمل تدمير غالبية مضخات المياه وأبراج التوزيع، ما أدى إلى تفشي الأمراض ونفاد مصادر الشرب. كما تعرضت المستشفيات لقصف متكرر، ولم يتبقَ منها سوى مركز طبي واحد يعمل بشكل جزئي.

وسط هذه الأوضاع الكارثية، يعاني أكثر من 30 مليون سوداني من انعدام الأمن الغذائي والإنساني، فيما تعرقل الأطراف المتحاربة وصول المساعدات الدولية، وتم نهب مستودعات الإغاثة، واختطاف عشرات العاملين، وقتل عدد منهم، من بينهم خمسة سائقين تابعين لبرنامج الغذاء العالمي الشهر الماضي أثناء محاولة إيصال قافلة مساعدات إلى الفاشر.

ودعت المحكمة الجنائية الدولية إلى تحقيق دولي عاجل وشامل، محذرة من تكرار إبادة جماعية جديدة في ظل تقاعس المجتمع الدولي وانشغاله بأزمات أخرى كالحرب في غزة وأوكرانيا.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى