حقيبة مغنية تفضح هوس الثراء السخيف وتكشف جنون الماركات

سجّلت حقيبة يد واحدة، ليست مغطاة بالذهب ولا مرصعة بالألماس، بل مجرد جلد أسود مستعمل، رقمًا فلكيًا تجاوز كل التوقعات، حيث بيعت بمبلغ مذهل بلغ 8.6 ملايين يورو، أي ما يعادل 10.1 ملايين دولار، لتصبح رسميًا أغلى حقيبة في تاريخ المزادات.
حقيبة لم تُخترع لتغيير مصير البشرية، بل فقط لتخزين متعلقات مغنية بريطانية اسمها جين بيركين، وتحوّلت إلى رمز جنون التفاخر الفارغ والمظاهر الزائفة.
صنعت دار “هيرمس” هذه الحقيبة خصيصًا لبيركين عام 1985، إثر موقف عابر على متن طائرة، حين سقطت محتويات حقيبتها المبعثرة، فأطلقت شكوى بريئة: “لماذا لا تصنعون حقائب أكبر حجمًا؟”.
هذه العبارة وحدها كانت كفيلة بإشعال جشع الأزياء، فأمسك رئيس الدار بكيس التقيؤ الخاص بالطائرة ورسم التصميم الأول، لتولد من هذه اللحظة العبثية أيقونة الغرور التي يُطاردها الأثرياء كما يُطاردون الخلود.
شهدت باريس في دار “سوذبيز” مزادًا جنونيًا يوم الخميس، حيث تنافس تسعة من جامعي التحف الأثرياء، بعزيمة أقرب للهوس، على شراء هذه النسخة الأصلية، التي لا تزال تحمل آثار أصابع جين بيركين، وبعض ملصقات القضايا الإنسانية، بل ومقص أظافر كانت تتركه معلقًا على الحزام كنوع من “اللمسة الشخصية”.
انتهت المعركة خلال عشر دقائق فقط، ليحسمها جامع مقتنيات ياباني دفع مبلغًا أسطوريًا بلغ 8,582,500 يورو بعد احتساب الرسوم والعمولات، محطمًا الرقم القياسي السابق لحقيبة تم بيعها مقابل 439 ألف يورو فقط.
أوضحت مورغان هاليمي، مسؤولة قسم الحقائب في المزاد، أن هذا السعر ليس سوى انعكاس لأسطورة صنعتها الصدفة، وأسّست لهوس عالمي بحقيبة لم تُبتكر إلا بالصدفة.
لكن الحقيقة الأكثر فاضحة أن هذا النموذج الأولي الذي احتفظت به بيركين لمدة عشر سنوات قبل أن تتبرع به عام 1994، تحوّل من أداة لحمل الأغراض إلى أداة لعرض الثروة الفاحشة واستعراض النفوذ الاجتماعي أمام عدسات الكاميرات.
أعلنت دار “هيرمس” بعد ذلك بدء الإنتاج التجاري للحقيبة، فتحولت إلى رمز طبقي فاق كل حدود المنطق. ارتفعت أسعارها لتصل لعشرات الآلاف من الدولارات، وسط طوابير انتظار تتجاوز السنوات، بينما يُضاف إليها طابع القداسة كلما حملتها أيقونة من نجمات العالم مثل جينيفر لوبيز، كيت موس، أو فيكتوريا بيكهام.
لفت كثيرون إلى أن هذه الحقيبة بالذات تختلف عن كل ما تلاها، ليس فقط لكونها النسخة الأولى، بل لأنها لا تزال تحتفظ بحزام كتف لا يمكن فصله، وبالأحرف الأولى للمغنية منقوشة على الغطاء الأمامي، وملصقات دعم لقضايا إنسانية لا نعلم إن كانت توضع عن اقتناع أم استعراض.
امتلكت هذه الحقيبة لاحقًا مصممة الأزياء الفرنسية كاثرين بنييه، التي احتفظت بها 25 عامًا قبل أن تعرضها أخيرًا للبيع، لتغلق الحلقة الجنونية حول قطعة جلدية تحولت إلى وثيقة جنون بشري جماعي.
اختتمت الصفقة دون إعلان تقديري مسبق لقيمتها، كما لو أن الجميع اتفق على أن لا منطق يمكن أن يحكم مزادًا على رمز أصبح فيه الجلد أغلى من الذهب، والحكاية البسيطة أغلى من التاريخ.
هذه ليست صفقة تجارية، بل صفعة على وجه كل من يصدق أن الموضة ما زالت تدور حول الذوق، لا حول المال والشهرة والتفاخر بالمقتنيات التي تفضح واقعًا أصبح فيه امتلاك حقيبة أقدم من كثير من القيم.