شباك نور

الدكتور أيمن نور يكتب: رسالة إلى سيدة الصبر .. ليلى سويف

هناك من النساء من يشبهن الوطن حين يُختصر في إنسانة .. في فكرة لا تموت، في ضمير لا يلين، في صوتٍ لا يخفت ولو تكاثفت حوله العواصف.

وأنتِ، يا ليلى، واحدة من هؤلاء القلائل الذين يُقاس بهم معنى الثبات والكرامة.

لم أكتب إليكِ لأُعلّق على موقف، ولا لأشاركك الألم من بعيد .. بل لأناشدك، بكل ما في القلب من رجاء، أن توقفي إضرابكِ عن الطعام.

فالحياة، برغم جفافها وقسوتها، ما زالت في حاجة إلى مَن يُشبهونكِ .. وإلى وجودكِ تحديدًا.

أرجوكِ، لا تغادري ميدان الحياة طوعًا، في بلدٍ لم يعد يفرّق بين الأبطال والمنسيين، ولا يُكترث بصرخة، ولا يهتزّ لفضيحة، ولا ينكسر أمام دمعة أم.

لستُ أطلب منكِ التراجع، بل أطلب بقاءكِ.

بقاءكِ في وجه آلة لا يرهقها موتُنا، لكنها تنهار حين ترانا واقفين رغم الجراح، متشبثين بالحياة لا استسلامًا، بل إيمانًا بأن الغياب هزيمة، وأن الوجود شهادة.

ابقي، من أجل ابنٍ ينتظر عناقًا جديدًا مع الحرية، من أجل بناتٍ وأبناءٍ لا يعرفونكِ شخصًا، لكنهم عرفوا فيكِ ضوءًا يعلّمهم كيف لا يُساوم المرء على الحق.

من أجل وطنٍ متعب، لكنه لا يزال يملك من يشبهكِ.

إننا اليوم في أمسّ الحاجة إليكِ، كما نحتاج إلى كل حبة أمل في هذا القحط، وكل نقطة ماءٍ في هذا الظمأ.
وإضرابكِ، إن كان موجعًا للضمير، فهو لا يُحرك ساكنًا في سلطاتٍ بلا قلب، ولا تُبالي إلا باستمرارها.

يا ليلى

كلّ “علاء” سيخرج يومًا، سيخرج لأن الشمس لا تُحبس، ولأن التاريخ لا يُزَوَّر إلى الأبد.

لكن لا تتركي لنا الخوف وحده، ولا تحمّلي جسدكِ فوق ما يحتمل.

موتكِ ـ لا قدّر الله ـ لن يهزم جلادًا، بل سينكسر به المُحبّون، وسيتّسع به ليلُ الغربة داخلنا.

فلا تفعليها .. لا من أجلنا، بل من أجل الذين علمتِهم يومًا أن الحياة مقاومة، وأن النبض شهادة.

ابقي يا ليلى .. فإن البقاء، في زمن العدم، مقاومة أكبر من أي إضراب.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى