فنانون بريطانيون يطالبون المتحف البريطاني بالاعتذار عن استضافة فعالية دبلوماسية إسرائيلية

تعالت أصوات الاستياء في الأوساط الثقافية البريطانية بعد قرار المتحف البريطاني استضافة فعالية رسمية للسفارة الإسرائيلية في مايو الماضي، تزامناً مع الذكرى المؤلمة للنكبة الفلسطينية.
أطلق أكثر من 200 شخصية بارزة في مجالات الثقافة والفكر رسالة مفتوحة تدين هذا القرار، مطالبين بموقف واضح من إدارة المتحف. وضمت قائمة الموقعين نخبة من المثقفين والفنانين البارزين، من بينهم الكاتب ويليام دالريمبل والمغنية بالوما فيث والممثلة جولييت ستيفنسون.
وصف الموقعون الحدث بأنه “تمكين علني للانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين”، مؤكدين رفضهم القاطع لمثل هذه الفعاليات التي تتجاهل المعاناة الفلسطينية.
صرح أحد الموقعين: “المتحف البريطاني يجب أن يكون مساحة للتفاهم الثقافي، وليس منصة لتسييس الأحداث المؤلمة في تاريخ الشعوب”.
احتفال بعيد “الاستقلال” عشية النكبة الفعالية التي نظّمتها سفارة دولة الاحتلال واحتُفل خلالها بما يُسمى “عيد الاستقلال”، تزامنت مع الذكرى السنوية للنكبة الفلسطينية، والتي شهدت في عام 1948 تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني قسريًا من أراضيهم وبيوتهم على يد الميليشيات الصهيونية.
شارك في الحدث كل من السفيرة الإسرائيلية لدى المملكة المتحدة تسيبي هوتوفيلي، ووزيرة الدفاع البريطانية ماريا إيجل، وزعيم حزب الإصلاح البريطاني نايجل فاراج، إلى جانب الممثل الكوميدي جيمي كار، الذي حضر المناسبة أيضًا.
ووفقًا للرسالة المفتوحة، فإن “إسرائيل ترتكب إبادة جماعية وفصلًا عنصريًا، ودعوة ممثلين رسميين إسرائيليين وسياسيين بريطانيين للاحتفال بهذه الجرائم تمنحها شرعية للاستمرار”.
وقد أعدت الرسالة كل من منظمة “حظر الطاقة من أجل فلسطين”، ومجموعة “فنانون من أجل فلسطين”، وتحالف “وايت كايت كولكتيف”، استجابةً للاستياء المتزايد في صفوف موظفي المتحف، الذين وصفوا الحدث بأنه “مهين ومفاجئ”.
إخفاء ممنهج وتجاهل لغضب الموظفين كشفت الرسالة أن موظفي المتحف لم يُبلغوا بطبيعة الحدث، وأُخبروا فقط بأنه “فعالية مؤسسية” وطُلب منهم مغادرة الموقع قبل الموعد المحدد بـ”أقل إشعار ممكن”، حتى أن بعض الموظفين لم يعلموا بحقيقة المناسبة إلا بعد انتهائها.
وقال أحد الموظفين لموقع ميدل إيست آي إن الفعالية كانت “مزعجة للغاية”، مشيرًا إلى أن العديد من العاملين – خاصة المسلمين – شعروا بعدها بعدم الأمان.
ورغم إرسال رسالتين رسميتين لإدارة المتحف – إحداهما حصدت أكثر من 250 توقيعًا – لم يتلقَ الموظفون أي رد، في وقت اكتفى فيه مدير المتحف نيكولاس كولينان بإصدار مذكرة داخلية قال فيها إن المتحف “لا يستطيع الخروج عن السياسة الخارجية للمملكة المتحدة أو تقويضها”.
وفي تصريح لذات الموقع ، قال المتحدث باسم المتحف إن الحدث كان “فعالية تجارية” لا تنظمها إدارة المتحف بشكل مباشر، وإن “قرارات الفعاليات التجارية تُتخذ على أساس غير سياسي”.
لكن معلومات حصل عليها الموقع عبر تقديم طلب لحرية المعلومات (FOI) من وزارة الثقافة والإعلام والرياضة البريطانية، أظهرت أن المتحف تواصل مع الوزارة بشأن الحدث منذ 16 أبريل/نيسان، أي قبل أكثر من شهر على انعقاده، في خطوة اعتُبرت غير مألوفة لكون المتحف هيئة مستقلة وغير وزارية.
حدث رسمي مشترك لا مجرد استئجار وفي مراسلات إلكترونية كشفت عنها وثائق رسمية، طلبت السفيرة هوتوفيلي من وزير الدولة في وزارة العلوم والابتكار، بيتر كايل، الحضور بصفته “ممثلًا رسميًا للحكومة البريطانية” وإلقاء الكلمة الرئيسية في الفعالية، التي وُصفت بأنها “حدث مشترك بين حكومتي بريطانيا ودولة الاحتلال لتأكيد قوة العلاقات الثنائية ودعم أمن وشرعية إسرائيل”.
كما أظهرت الوثائق أن السفارة الإسرائيلية حجزت المكان داخل المتحف بتاريخ 12 مارس/آذار، ما يعني أن إدارة المتحف تعمدت إخفاء تفاصيل الحدث عن موظفيها لأكثر من شهرين.
شراكة بريتيش بتروليوم تحت المجهر لم تكتف الرسالة بإدانة الحدث، بل انتقدت أيضًا استمرار الشراكة الممتدة لعشر سنوات بين المتحف البريطاني وشركة بريتيش بتروليوم (BP)، والتي تبلغ قيمتها 50 مليون جنيه إسترليني.
وطالبت الرسالة بقطع جميع العلاقات مع الشركة مشيرة إلى أنها تزود جيش الاحتلال الإسرائيلي بالنفط عبر خط أنابيب “باكو–تبليسي–جيهان”، الذي يمثل 30% من واردات الوقود لدولة الاحتلال، والذي يُستخدم لتشغيل دباباتها وبنيتها التحتية العسكرية التي تقود العدوان على غزة.
وجاء في الرسالة: “لا يمكن للمتحف البريطاني أن يسمح لكل من إسرائيل وBP باستغلال مكانته العامة لبناء قشرة زائفة من الشرعية لأنشطتهما”.
كما سلّطت الضوء على تقارير حقوقية – أبرزها تقرير صادر عن المقررة الأممية الخاصة بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيز – أكدت تورّط شركة BP في تمويل اقتصاد الاحتلال وتحويله إلى “اقتصاد إبادة جماعية”.
مطالب بالمحاسبة والشفافية ودعت الرسالة إلى تشكيل لجنة ديمقراطية داخل المتحف تضم ممثلين عن الموظفين والنقابات لاتخاذ قرارات جماعية بشأن التمويل المستقبلي، والرعايات، وتنظيم الفعاليات ذات الطابع السياسي، بما يضمن شفافية الإدارة وعدم استخدامها لصالح أجندات سياسية أو تجارية مشبوهة.
واختتم الموقعون رسالتهم بالتأكيد على أن المتحف البريطاني – كمؤسسة ثقافية عريقة – يجب أن يقف إلى جانب العدالة، لا أن يتحوّل إلى منصة ترويج لدولة متهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.