مصر

انهيار أرضي خطير تحت كوبري التجنيد يكشف فسادًا صامتًا في التنفيذ

مشهد الانهيار الأرضي المفاجئ أسفل كوبري التجنيد في اتجاه المحكمة بمنطقة القاهرة أطلق شرارة جديدة من الغضب الشعبي، بعد أن تحوّلت الطرق الحيوية إلى مصائد مفاجئة تهدد أرواح المارة وسلامة المركبات.

الحدث لم يكن مجرد خلل عابر، بل دق جرس إنذار واضح عن مستوى التهاون المزمن في صيانة البنية التحتية وشبكات الطرق.

أوضح شهود عيان من المنطقة أن الهبوط لم يكن وليد اللحظة، بل سبقته شروخ وتحركات واضحة في طبقة الأسفلت منذ عدة أسابيع، دون أن تتحرك الجهات المعنية لاتخاذ أي إجراء وقائي.

أكد المواطنون أن المنطقة شهدت خلال الفترة الماضية أعمال رصف متكررة و”تجميليّة” لم تراعِ أساسات الطريق ولا العوامل الجيولوجية المحيطة، ما أدى إلى انهيار التربة بشكل مفاجئ تحت وزن السيارات الثقيلة.

لفت مراقبون إلى أن منطقة كوبري التجنيد تُعد محورًا مروريًا بالغ الأهمية يربط بين مواقع حيوية داخل القاهرة، ويشهد كثافة مرورية عالية على مدار الساعة، ما يجعل أي خلل في بنيته التحتية كارثيًا من الناحية الأمنية واللوجستية. أشاروا إلى أن التحرك الحالي لتعديل المسارات المرورية هو مجرد حل مؤقت لا يعالج أصل المشكلة ولا يخفف من فداحة الإهمال المتراكم عبر سنوات.

استنكرت مصادر فنية متخصصة غياب أي إجراءات استباقية أو دراسات فحص للتربة رغم المعرفة السابقة بطبيعة المنطقة التي تعاني من اختلالات جيولوجية معروفة. أردفت المصادر أن أعمال الردم التي تمت خلال السنوات الماضية في نفس المحيط تمت بصورة عشوائية ودون رقابة فنية هندسية، ما جعل الهبوط الأرضي مسألة وقت لا أكثر.

أشار بعض العاملين في المجال إلى أن ميزانيات ضخمة خُصصت خلال السنوات الماضية لأعمال الصيانة والترميم في منطقة التجنيد، لكنّ النتيجة كانت كارثية وتعكس سوء إدارة فادح في الأولويات، حيث تم التركيز على الشكل الخارجي للرصف والإضاءات دون النظر لما تحت الأرض، وكأن الأرض لا تتحرك ولا تهدد أحدًا.

أكد مختصون في شبكات الصرف والبنية التحتية أن أحد الأسباب المحتملة للهبوط يرجع لتآكل الطبقات الداعمة أسفل الطريق، نتيجة تسربات مائية مستمرة لم يتم احتواؤها أو رصدها بشكل دقيق، خاصة مع غياب أنظمة استشعار مبكر أو رقابة متكاملة على مجاري المياه الجوفية.

استدرك البعض أن حادث الهبوط، وإن بدا محليًا، إلا أنه يكشف عن نمط متكرر من المشكلات التي باتت تضرب البنية التحتية في العاصمة دون توقف، وتثير تساؤلات خطيرة عن مصير باقي الكباري والطرق الحيوية التي تخضع لنفس منظومة التنفيذ والإشراف.

زعم أهالي المنطقة أن التحركات الأخيرة لإصلاح الهبوط جاءت متأخرة للغاية، وجاءت بعد ضجة على مواقع التواصل، وهو ما يكشف مدى اعتماد الجهات المنفذة على “رد الفعل” بدلًا من “منع الضرر قبل وقوعه”، في مشهد اعتاده المصريون مرارًا مع كل أزمة بنية تحتية.

أجاب أحد المتخصصين ممن راقبوا عملية الإصلاح الجارية حاليًا، بأن التدخلات القائمة لا تتجاوز كونها “رتوش إسعافية” لتهدئة الرأي العام، في ظل عدم وجود خطة جذرية تعيد فحص كامل الشبكة الأرضية الممتدة أسفل تلك المنطقة.

أردف آخرون أن مجرد تعديل الحركة المرورية ليس كافيًا لحماية الناس، لأن الطرق البديلة المؤقتة ضيقة ومتهالكة، وتزيد من اختناق السيارات وتضاعف أخطار الحوادث، في وقت ما زال فيه الخطر الأكبر كامنًا تحت الإسفلت الذي ينهار بصمت.

نوهت أصوات داخلية بأن هذا الانهيار هو نموذج حي لتراكم الإهمال، وتغليب المصالح الآنية على المصلحة العامة، حيث تُستنزف أموال الدولة في مشروعات ظاهرية بينما الأساسات متهالكة وقابلة للانهيار في أي لحظة، لتنضم الواقعة إلى سجل طويل من الحوادث التي لا تجد من يحاسب أو يحاكم.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى