العالم العربي

خبراء دوليون: عقوبات أمريكا على ألبانيز تقوض استقلالية مؤسسات حقوق الإنسان

تثير العقوبات الأمريكية على المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز جدلًا واسعًا في المجتمع الدولي، حيث انتقد مقررون حاليون وسابقون في الأمم المتحدة هذه الخطوة بشدة.

كشفت التصريحات الدولية عن قلق عميق إزاء التأثيرات المحتملة على استقلالية منظومة حقوق الإنسان العالمية. أكدت أنياس كالامارد، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أن هذه العقوبات تمثل “سابقة خطيرة” تهدد حرية وحياد المقررين الدوليين.

وصفت كالامارد العقوبات بأنها “تقوض استقلالية المقررين وتخلق ضغطًا مباشرًا يحد من قدرتهم على أداء مهامهم بحرية”. واعتبر المراقبون أن هذه الخطوة تشكل تهديدًا غير مسبوق لآليات الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان.

.

وأعربت كالامارد عن خشيتها من أن تحذو دول أخرى حذو الولايات المتحدة إن لم تتم محاسبة هذه الخطوة، قائلة: “إذا بدأت الحكومات في معاقبة المقررين فقط لأن تقاريرهم لا تعجبها، فإن هذا ينهي فعليًا أي مصداقية لآلية التحقيق في الأمم المتحدة”.

ويُعد المقررون الخاصون خبراء مستقلين يُعيّنون من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومقره جنيف، لرصد وتوثيق أوضاع حقوق الإنسان في دول أو مناطق محددة، وتقديم المشورة بشأن السياسات والتدخلات الدولية.

ورغم أن القانون الدولي يمنحهم حصانة دبلوماسية، بما في ذلك الحماية من الملاحقات والعقوبات، فإنهم كثيرًا ما يتعرضون للتهديد والانتقام بسبب انتقاداتهم لسياسات بعض الدول.

وأكدت كالامارد أن العقوبات المفروضة على ألبانيز تُعد الأولى من نوعها في تاريخ منظومة المقررين الخاصين، الذين يعملون منذ الثمانينيات. وقالت: “لا أذكر أن أي مقرر خاص تعرّض لمثل هذا النوع من العقوبات من قبل، ما يجعل هذه الحالة بالغة الخطورة”.

من جانبه، قال بالاكريشنان راجاجوبال، المقرر الأممي المعني بالحق في السكن، إن العقوبات “ترسل رسالة مرعبة”، وأضاف: “نحن نعمل طوعاً، دون مقابل، ونحتاج إلى الحماية والدعم، لا إلى القمع والتهديد”.

وطالب راجاجوبال الإدارة الأمريكية برفع العقوبات فوراً، محذرًا من أن “استمرارها يعني أن أي صوت يدافع عن العدالة الدولية سيُقابل بالإسكات والترهيب”.

أما بن سول، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، فاعتبر أن العقوبات استهدفت ألبانيز بسبب عملها “الشرعي في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني”، وقال: “بدلاً من عرقلة عمل الخبراء المستقلين، على الدول دعمهم وتمكينهم من أداء مهامهم”.

ألبانيز: “الأمم المتحدة عاجزة.. بينما أطفال غزة يموتون”

في مقابلة مع برنامج البث المباشر لـ ميدل إيست آي، بعد يوم من إعلان العقوبات، قالت فرانشيسكا ألبانيز إنها مصمّمة على مواصلة عملها، رغم ما وصفته بـ”الاستهداف السياسي الواضح”.

وأضافت: “يبدو أنني ضربت على العصب لدى بعض الجهات، لكن ما يقلقني أكثر هو أن هناك أشخاصًا يموتون في غزة الآن، والأمم المتحدة عاجزة تماماً عن التدخل”.

وتأتي العقوبات الأمريكية بعد أيام فقط من إصدار ألبانيز تقريرًا حادًّا في 30 يونيو/حزيران، اتهمت فيه أكثر من 60 شركة، من بينها شركات تكنولوجيا عملاقة مثل غوغل و أمازون” و مايكروسوفت، بالمساهمة في تحويل اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي إلى ما وصفته بـ”اقتصاد الإبادة الجماعية”.

ودعت ألبانيز في تقريرها المحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق مع هذه الشركات والمديرين التنفيذيين فيها، وناشدت الأنظمة القضائية الوطنية اتخاذ خطوات مماثلة، كما حثت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على فرض عقوبات اقتصادية وتجميد أصول هذه الشركات.

جزء من حملة أوسع ضد العدالة الدولية؟
ألبانيز تُعد من أبرز الأصوات القانونية الدولية التي تنتقد علنًا جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وتصف ما يجري هناك بالإبادة الجماعية، وعلى مدار عشرين شهرًا، كانت من أبرز الداعمين للمطالبين بمحاسبة “إسرائيل” أمام القضاء الدولي.

ويُنظر إلى هذه العقوبات كجزء من توجه أمريكي متزايد لاستهداف أي محاولات دولية لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين، وكانت إدارة ترامب قد فرضت في وقت سابق عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، بالإضافة إلى أربعة قضاة آخرين، بسبب دورهم في فتح تحقيقات تتعلق بجرائم ارتُكبت في فلسطين وأفغانستان.

وتأتي العقوبات على ألبانيز في أعقاب مذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر/ تشرين الثاني بحق رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب السابق يوآف غالانت، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.

ردود الفعل تتصاعد
رغم العقوبات، أعرب عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان حول العالم عن دعمهم الكامل لألبانيز، مشددين على أن المساس باستقلالية المقررين الأمميين يمثّل تهديدًا مباشرًا للنظام الدولي القائم على سيادة القانون والمساءلة.

وبينما لا تزال الأمم المتحدة تلتزم الصمت رسميًا حيال العقوبات المفروضة على أحد كبار مسؤوليها، تتزايد الدعوات للمجتمع الدولي باتخاذ موقف واضح لرفض الترهيب السياسي الذي يستهدف من يطالبون بالعدالة، سواء لأطفال غزة أو للضحايا في أي مكان آخر في العالم.

عقوبات أمريكية، مقرروا الأمم المتحدة، فرانشيسكا ألبانيز، حقوق الإنسان، فلسطين، الاحتلال، الأمم المتحدة، الإبادة الجماعية في غزة

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى