مصر

15 مليار جنيه تُهدر على العلمين الجديدة ومدبولي يتجاهل واقع مهجور

بدأت ملامح مشروع “أبراج الداون تاون” و”داون تاون لاجون” في مدينة العلمين الجديدة تكشف عن حقيقة مؤلمة خلف الصورة الرسمية المزخرفة، حيث ظهر جليًا أن المشروع، الذي يتجاوز حجمه الاستثماري 15 مليار جنيه، ليس سوى واجهة زجاجية مكلفة تغطّي فراغًا عمرانيًا وخدميًا بلا روح أو سكان.

تفقد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي المشروع وسط استعراض إعلامي مكثف، في زيارة أرادت إظهار “إنجازات” على الأرض، بينما الواقع يفضح الأولويات المختلة لحكومة تصرّ على ضخ المليارات في بحيرات صناعية ضخمة بمساحة 250 فدانًا، في وقت يعاني فيه ملايين المواطنين من العطش ونقص مياه الشرب في محافظات مصرية كاملة.

انطلقت أعمال الملء التجريبي للبحيرة وكأنها لحظة تاريخية، رغم أنها تعني ببساطة ضخّ مياه صالحة في حوض خرساني لا يخدم سكانًا، ولا يساهم في تنمية حقيقية. المفارقة أن البحيرة تُستخدم لتزيين مشهد عمراني لم يُستكمل بعد، في مدينة لا تمتلك كثافة سكانية، ولا حتى خطة واضحة لتوطين العائلات أو إحياء مجتمعات دائمة.

كل ما يُروّج له كمظهر من مظاهر “المدن الذكية” لا يتجاوز كونه تغليفًا خارجيًا لبنية فارغة من الإنسان والخدمة. فالحديث عن شبكات ذكية، وإنترنت أشياء، وأنظمة مراقبة متقدمة، يتكرر في كل مشروع فاخر، دون أي انعكاس حقيقي على جودة حياة المواطن أو توفير احتياجات أساسية في مدن تعاني من الإهمال والتهميش.

مدينة العلمين، التي توصف رسميًا بأنها “واجهة المستقبل”، تحوّلت في الحقيقة إلى معرض ضخم للهندسة الاستعراضية: أبراج زجاجية شاهقة، بحيرات زرقاء مزيفة، طرق عريضة خالية من الحياة، وحدات عقارية فاخرة لا يسكنها أحد، وجولات دعائية تُصوّر وتُبث بلا جمهور واقعي.

في الخلفية، يعمل أكثر من 1200 مهندس وفني على مدار الساعة لتسريع تسليم المشروع قبل موعده، وسط تعليمات صارمة بالظهور الكامل أمام الكاميرات، بينما لا يُسأل أحد عن مصير هذه الإنشاءات بعد تسليمها، ولا من سيديرها أو يسكنها أو يصونها.

وبينما يتم الإعلان عن نسب إنجاز تفوق 85% في الأبراج و90% في شبكات البنية التحتية، لا تزال الأسئلة الأساسية قائمة: أين السكان؟ أين المدارس؟ أين المستشفيات؟ كيف تُدار مدينة بلا مجتمع؟ وكيف تحيا منطقة حضرية متكاملة دون وسيلة نقل واحدة فعالة تربطها بباقي الجمهورية؟

الأرقام المعلنة عن المشروع لا تبرر الانفصال عن الواقع، فـ15 مليار جنيه لا تصنع مدينة، بل تشتري شكلاً فقط إذا غابت عنه الرؤية الحقيقية للحياة. ما يجري في العلمين هو بناء واجهات لعالم افتراضي لا يخص المواطن، ولا يحل أزمة سكن أو يوفر فرصة عمل.

مصطفى مدبولي، الذي وعد مرارًا بتحسين مستوى معيشة المواطن، ظهر وهو يقود مشروعًا ضخمًا لا يخدم إلا طبقة معينة، ويخاطب سوقًا عقاريًا مغلقًا على الأغنياء والمستثمرين، بينما الفئات الأضعف تُستثنى تمامًا من أي جدوى تُذكر لهذا البناء العملاق.

هكذا تتحوّل “العاصمة الصيفية” إلى صندوق زجاجي مغلق، يُفتح موسمًا ويُغلق عامًا، تُدار من أعلى دون أدنى اكتراث بالأسفل، وتُسقى بحيراتها بمياه أغلى من الذهب بينما القرى تنام عطشى. العلمين لا تنتظر زائرين، بل تنتظر حقيقة تُقال قبل أن تغرق في صمتها الأبدي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى