مقالات وآراء

عدنان منصور يكتب : جبل العرب بين «إسرائيل» والجماعات التكفيرية!

كم هو مؤلم ومحزن أن نرى المشهد المأساويّ الأسود في جبل العرب، وبالذات في السويداء، التي رفعت عام 1920، راية الوحدة الوطنية السورية، وأطلقت بمقاومتها الباسلة الثورة السورية الكبرى ضدّ الاحتلال الفرنسي، دفاعاً عن حرية سورية وشعبها واستقلالها وسيادتها ووحدة أرضها، بقيادة القائد العام للثورة، المجاهد الكبير سلطان باشا الأطرش، مع ثلة من القادة الوطنيين منهم إبراهيم هنانو، وصالح العلي، وفوزي القاوقجي وعبد الرحمن الشهبندر وغيرهم من القادة الأحرار.

كم هو مؤسف ومقيت، أن نشاهد صورة هذا الزعيم الوطنيّ الكبير تدوسها أقدام جماعات همجية خارجة عن القانون والتاريخ، تشرّبت حتى النخاع أفكاراً مدمّرة للإنسان والأوطان، مُشبعة بالكراهية والتعصّب الأعمى!

جماعات اختزنت في داخلها الأحقاد وعدم التسامح وهي تمارس بسلوكها المشين جرائم القتل والإرهاب. كم هو مؤلم ومحزن أيضاً، مشاهدة جماعات تكفيريّة في انحطاطها الأخلاقي والنفسي، عندما يعبث أحد المجرمين بعمامة رجل دين من الطائفة الكريمة للموحدين الدروز أو يرميه قتيلاً!

أهذا هو جزاء السويداء وجبل العرب؟!

أهذا هو الوفاء لتاريخ سلطان باشا الأطرش وأبناء قومه من دروز جبل العرب، الذي تمسّك ودافع بكلّ قوة وشرف عن عروبة سورية ووحدته، ومنع تقسيمها على يد المندوب السامي الفرنسي عام 1920؟!

لمن تنتمي هذه العصابات المدمّرة، التي تعبث بحياة الناس ومَن يديرها ويقف وراءها في حلب، واللاذقية وطرطوس وريف دمشق، والجنوب السوري، وفي أماكن أخرى من سورية؟!

مَن يزوّدها بالمال والسلاح، ويرعاها ويوجهها، ويحتضنها، ويدافع عنها؟!

لصالح من تنتهك الجماعات المتطرفة حرمة المواطنين من مكوّنات الشعب السوري الذي احتضن عبر تاريخه الطويل بتسامحه، وعيشه الواحد، كافة الأديان والطوائف والقوميّات، والأجناس؟!

هل ما جرى ويجري على الساحل السوريّ، وفي ضواحي حلب، وجنوب سورية، يخدم النظام الحالي، ويعزز وحدة سورية ويحفظ نسيج شعبها، ويصون أمنها القوميّ ويحول دون تفكيكها وتقسيمها؟!

مَن المستفيد من الحوادث والتعديات على كرامات الناس، ومن جرائم القتل، وعمليات النهب للأملاك الخاصة دون وجه حق؟!

ألم يستغلّ الفرصة رئيس الحكومة “الإسرائيلية” نتنياهو، الملاحق من قبل محكمة الجنايات الدولية، للعب على الوتر الحساس، والذي انتهز اندلاع الاشتباكات في السويداء منذ اللحظة الأولى، ليُعرب بنفاقه المعهود عن غيرته، ودفاعه عن الأمن والسلام، والإنسان، وحمايته لحقوق السوريين، لا سيما “الأشقاء” الدروز على حدّ تعبيره؟!

نتنياهو طلب من دروز فلسطين العودة إلى منازلهم، وانّ يتركوا للجيش “الإسرائيلي” القيام بعمله، في حين صعّد وزير حرب العدو كاتس من لهجته مصرّحاً أنّ “الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل بقوة في السويداء لتدمير القوات التي هاجمت الدروز، حتى انسحابها الكامل، وإن “إسرائيل” أخذت على عاتقها التزامها حماية الدروز في سورية”! من مَن حمايتهم؟!

مِن مجرم حرب! هل كان نظام “هيئة تحرير الشام” في دمشق، على علم، أو يدرك ما كانت تحضّره “إسرائيل” لسورية، عندما صرّح نتنياهو في الأول من آذار/ مارس من هذا العام، محذراً نظام الشرع قائلاً: “لن نسمح للنظام الإسلامي المتشدّد في سورية بإيذاء الدروز”. لقد أصدرنا تعليمات للجيش “الإسرائيلي” بالتحضير، وتقديم رسالة تحذير حادة وواضحة، إذا ألحق النظام الضرر بالدروز، فسوف نلحق بهم الضرر”. وقال مستشهداً بـ “الروابط التاريخيّة”، بأنّ الموقف “الأخلاقي” لـ “إسرائيل” هو في حماية الدروز! نتنياهو وبخبثه الشديد، المعهود يريد استخدام الورقة الدرزية، كي تكون أداة وحجة في مهاجمة النظام السوري، وليس حباً بالدروز، إذ أنّ هدفه توريط النظام والدروز معاً في حرب أهلية طائفية قذرة، تفتّت النسيج الوطني للشعب السوري برمّته، وتقوّض وحدة سورية، وتبقيها ضعيفة، مشلولة، ومقسّمة.

يوم 24 شباط/ فبراير 2025، صرّح نتنياهو قائلاً: “إننا ملتزمون بحماية الدروز”! تصريح أثار موجة غضب واستنكار شديدين، ردّ عليه سليمان عبد الباقي، قائد “تجمع أحرار العرب” في السويداء، “أنّه يرفض أيّ تدخل في الشأن الداخلي للسوريين من قبل أيّ جهة خارجية”.

لم تكتف “إسرائيل” بهذا القدر من التدخّل السافر في الشأن السوري، بل أتبعته بإعلان من جانب واحد، وهو الإعلان الأخطر على سورية الذي يعتبر جنوب سورية منطقة منزوعة من السلاح، ويحظر إدخال القوات والأسلحة السورية إليها.

هنا تكمن خطورة وتداعيات هذا القرار الذي يمنع بالكامل نظام الشرع حق ممارسة سيادة سورية على جنوبها، ما يجعل دولة الاحتلال الإسرائيلي تتصرّف كالآمر الناهي، تُعطي الحق لنفسها بالتدخل والتوغل في الجنوب السوري في أيّ وقت تشاء، تسرح وتمرح فيه، دون أيّ اعتبار للنظام، وحرية القيام باعتداءاتها العسكرية متى أرادت بلا حسيب أو رقيب، وكلما دعت الحاجة إليها.

في أواخر آذار/ مارس الفائت، صرّح وزير حرب العدو جدعون ساعر أثناء مؤتمر صحافيّ عقده مع نظيره النمساوي، أنّ “إسرائيل” مهتمة بتوسيع نطاق السلام والتطبيع الذي تضمّنته اتفاقية أبراهام، ولدينا مصلحة في ضمّ دول مثل سورية ولبنان، جيراننا إلى دائرة السلام والتطبيع، مع الحفاظ على مصالح “إسرائيل” الأساسية والأمنية! في 30 نيسان/ إبريل الماضي، أكد وزير الطاقة “الإسرائيلي” إيلي كوهين، “أنّ علاقة دولة “إسرائيل” بالطائفة الدرزيّة، علاقة عابرة للحدود، وأنّ “إسرائيل” لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي محاولة للمساس بالطائفة”.

إذا كان هذا هو الذي تضمره “إسرائيل” لسورية، فعلى أيّ أساس تجري المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين تل أبيب والنظام السوري الحالي، في الوقت الذي لم يتوقف فيه الجيش الإسرائيلي عن القصف المستمرّ للمؤسسات والمنشآت العسكرية، والمراكز الحكوميّة والمدنيّة، وعن التمدّد داخل الأراضي السورية، فيما نتنياهو يصف نظام الشرع، على أنه نظام إسلامي متطرّف، وبالتالي يطلب من الرئيس الأميركي ترامب عدم رفع العقوبات عن سورية! أيّ مستقبل مظلم ينتظر سورية، وأيّ مصير مظلم تريده “إسرائيل” لجبل العرب وبالذات للدروز الذين ما كانوا يوماً إلا حصناً لعروبة سورية، وأمنها ووحدتها، وكرامتها؟

لقد قامت المجموعات التكفيرية المتطرّفة الخارجة عن القانون، وهي تستبيح السويداء، بارتكاب جرائم وحشيّة لا تغتفر بحقّ أهلها ومشايخها، وبحقّ طائفة الموحّدين الدروز في جبل العرب، وفي كلّ مكان يتواجد فيه أبناء الطائفة الدرزية الكريمة.. إذ ليس بهذا النهج والأسلوب الهمجيّ القاتل، تعالج الأمور في سورية من خلال الانتقام والأحقاد، وسفك الدماء، والنهب، والتخويف، وإهانة رجال الدين، والتطاول عليهم وعلى مكانتهم وكرامتهم، وارتكاب المجازر البشعة بحق المدنيّين.

هذه الأفعال المشينة ستترك وراءها شرخاً كبيراً بين أبناء الشعب السوري، شرخاً لن يندمل بسرعة، وسيترك ذيوله ورواسبه السلبية العميقة في النفوس، ما دامت “هيئة تحرير الشام” على رأس السلطة في سورية!

ألا تكفي المجازر التي ارتكبتها المجموعات الإرهابيّة في الشمال السوري ضدّ مكوّنات وطنية، كلّ ذنبها أنها تنتمي إلى طوائف معينة؟! إذا كانت المجموعات الخارجة عن القانون على حدّ توصيف المسؤولين السوريين، ارتكبت المجازر بحق المدنيين الأبرياء فمن يحتضن هؤلاء ويسلّحهم، ويموّلهم، ويرعاهم، ويدافع عنهم، ويوفر الحماية لهم، ويطلق يدهم لأخذ سورية إلى نفق مظلم لا يتمناه أحد لها. سورية قلب المشرق وبوصلته، إنْ هوت وتمزّقت، هوت معها وتمزّقت دول المشرق كلها!

هل يضع النظام الجديد في دمشق في حساباته الدقيقة ما يريده منه، الثلاثي الأميركي ـ الإسرائيلي ـ التركي؟! وهل هو قادر على مواجهة ما يبيّتونه لسورية لجهة وحدة شعبها، وجيشها، وأمنها القومي، وأرضها، وسيادتها، ومستقبلها؟! أيّ خيار سيسير عليه ويعتمده الرئيس الشرع وهو أمام الخطر الخارجي الكبير الذي يحضّر لاقتحام أبواب سورية؟!

أهو القبول بخيار وسلوك واشنطن، وأنقرة، وتل أبيب، أم بخيار ونهج سلطان باشا الأطرش ورفاقه الأبرار! الآتي من الأيام سيكشف النقاب عما يُخفيه الثلاثي لسورية من مشاريع خطيرة، لن تحفظ بكلّ تأكيد وحدة سورية، واستقرارها، ومصالحها الوطنية، ولن تحفظ تاريخها العريق، أو تصون سيادتها وأمنها القومي، أو تحافظ على نسيج شعبها ووحدته!

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى