بلجيكا تعيد قطعتين أثريتين لمصر في خطوة تعزز استعادة التراث المنهوب

في تطور لافت على صعيد استعادة الآثار المنهوبة سلمت السلطات البلجيكية قطعتين أثريتين نادرتين إلى مصر بعد نحو عشر سنوات من التعقيدات القانونية والجهود الدبلوماسية المستمرة وجاءت هذه الخطوة تتويجًا لمسار طويل من التحقيقات والتنسيق الدولي لتأكيد حق الدول الأصلية في ممتلكاتها الثقافية والتاريخية
شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل حفلًا رسميًا في قلب مجمع المتاحف الملكية للفن والتاريخ حيث جرت مراسم تسليم تابوت خشبي نادر من العصر البطلمي إضافة إلى لحية خشبية كانت جزءًا من تمثال ملكي مصري وتعود القطعتان إلى فترات مختلفة من الحضارة المصرية القديمة وتمثلان قيمة فنية وروحية وتاريخية كبيرة
القطعة الأهم في عملية الاستعادة كانت تابوتًا فاخرًا يعتقد أنه كان يخص شخصية رفيعة المقام في العصر البطلمي ويتميز التابوت بتفاصيله الفريدة وزخارفه الرمزية التي تمثل معتقدات المصريين القدماء حول العالم الآخر إذ تتوسطه عينان زجاجيتان ترمزان إلى البصيرة الإلهية بينما توثق النقوش الهيروغليفية المحفورة عليه رحلة الميت إلى الحياة الأبدية وفقًا لعقيدة أوزيريس إله الموتى في مصر القديمة ويعزز اللونان الأزرق والذهبي اللذان يطغيان على التابوت مكانته الرمزية كأحد أبرز رموز الفن الجنائزي البطلمي
أما القطعة الثانية فهي لحية خشبية رمزية تشير إلى ارتباطها بتماثيل ملكية أو مقدسة استخدمت لإبراز السلطة الإلهية أو الروحية للتماثيل في الثقافة المصرية القديمة وقد رافقت هذه اللحية تماثيل لآلهة أو ملوك في معابد ومواقع جنائزية
تعود بداية القضية إلى عام 2015 عندما كشف الإنتربول عن وجود قطع أثرية مصرية مسروقة في سوق التحف ببلجيكا وبعد تحقيقات مطولة اكتشفت السلطات شبكة تهريب دولية تنشط في التجارة غير المشروعة للآثار وأدت هذه الجهود إلى ضبط القطعتين لدى تاجر تحف معروف في بروكسل ورغم مصادرة القطعتين في وقت مبكر إلا أن استعادتهما تأخرت بسبب تعقيدات قضائية استمرت حتى صدور حكم نهائي في أبريل 2025 يقر بحق مصر في استعادتهما
وتعكس هذه العملية جانبًا من التحديات التي تواجه الدول النامية في سعيها لاسترجاع آثارها المسروقة حيث تشير تقارير إلى أن المتاحف البلجيكية تضم آلاف القطع الأثرية من مصر والكونغو ودول أفريقية أخرى ويُعتقد أن نسبة كبيرة منها وصلت إلى أوروبا بطرق غير شرعية خلال الحقبة الاستعمارية أو في فترات الاضطرابات السياسية
وبحسب تقديرات دولية فإن نحو 30% من الآثار المصرية الموجودة في المتاحف البلجيكية دخلت البلاد دون وثائق قانونية واضحة فيما يضم متحف الفن والتاريخ وحده مئات القطع التي تتنوع بين التماثيل والبرديات والمومياوات وتعود أغلب هذه القطع إلى فترات تاريخية حافلة بالنهب المنظم مثل ما جرى أثناء الاحتلال البريطاني لمصر أو بعد ثورة 2011
كما أن التجربة البلجيكية في استعادة التراث المصري تفتح الباب أمام نقاش أوسع حول العدالة الثقافية وحقوق الدول في ممتلكاتها التاريخية فالعديد من المتاحف الأوروبية ما زالت تحتفظ بقطع أثرية أفريقية وآسيوية رغم مطالبات رسمية وشعبية بإعادتها إلى مواطنها الأصلية إلا أن تلك المطالبات غالبًا ما تصطدم بعقبات بيروقراطية أو تبريرات تتعلق بالقدرات المحلية على صيانة هذه المقتنيات
في ضوء ذلك تمثل عملية الاستعادة الأخيرة خطوة متقدمة نحو إعادة التوازن في ملكية التراث العالمي وهي رسالة بأن العدالة الثقافية ليست مستحيلة إذا توافرت الإرادة القانونية والدبلوماسية وأن استرداد التراث لا يقل أهمية عن استعادة السيادة الوطنية في زمن ما بعد الاستعمار