غد الثورة: سجن بدر ٣ يبتلع ما تبقّى من حياة المعتقلين، والدكتور البلتاجي يموت ببطء… والانتقام مستمر

لا تنهض الأمم على أنقاض أبنائها، ولا تُبنى الدول بتجويف الإنسان داخل الزنازين، ولا تُدار الحكومات بالعقاب الجماعي على الفكرة، ولا بالإمعان في إطفاء ضوء الكلمة.
سجن بدر ٣ لم يعد جدارًا خلفه محتجزون، بل صار جرحًا مفتوحًا في الجسد المصري، تنزف فيه العدالة، وتُجهَز على الكرامة دون تردّد أو خجل.
حين يتآكل جسد الدكتور محمد البلتاجي في صمت رسمي مريب، فالأمر لم يعد شأنًا فرديًا، بل تحوّل إلى قضية وطن بأكمله.
هذا النائب المنتخب، والسياسي الحر، لم يُحاكم على جريمة، بل عوقب على موقف، وها هو اليوم يذوب في زنزانة معتمة، بينما تسجل زوجته بيان استغاثة، تُدوّن فيه ما يجب أن يكون بلاغًا عامًا إلى كل صاحب ضمير.
غياب بيان رسمي عن حالته، في ظل التدهور الحاد في صحته، يُعد تقاعسًا يُجرّمه القانون، ويُدين من سكت كما من تورّط.
المادة (١٨) من الدستور المصري تضمن لكل إنسان الحق في الرعاية الصحية المتكاملة، وتُلزم الدولة بتقديم العلاج في حالات الطوارئ.
بينما تنص المادة (٣٦) من قانون تنظيم السجون رقم ٣٩٦ لسنة ١٩٥٦ على وجوب نقل السجين إلى المستشفى إذا تدهورت حالته الصحية.
فأين الدولة من هذه النصوص؟ وأين القانون من هذا الصمت؟
مأساة الدكتور عبد الله شحاتة مثال آخر على التردي الذي لا يُحتمل.
لم يجد وسيلة للاحتجاج سوى إشعال النيران في الزنزانة، ثم ابتلاع جرعة قاتلة من الأدوية.
لم يُقابل احتجاجه بالتفهّم، بل كُوفئ بالتجريد والتقييد والحقن، في انتهاك مباشر للمادة (٥٥) من الدستور، التي تؤكد أن:
“كل من يُقبض عليه أو يُحبس، تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، أو إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا.”
مواثيق حقوق الإنسان الدولية ليست حبرًا على ورق.
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966)، والذي صدّقت عليه مصر، ينص في مادته السابعة على:
“لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب، أو لمعاملة أو عقوبة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة.”
والمادة (١٠) من نفس العهد تنص بوضوح:
“يُعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصيلة في الإنسان.”
لا كرامة في سجن يُقطَع عنه الماء، وتُغلق مجاريه الصحية عمدًا، وتُطلق فيه الحشرات رويدًا رويدًا لتنهش الجسد وتغتال المناعة.
لا عدالة في مؤسسة يُمنع فيها المعتقلون من العلاج والهواء والزيارة والدواء، ولا إنسانية في دولة تُجهّل مواطنيها بمصير أحبّائهم خلف القضبان.
ليست قائمة الانتهاكات مجرد وقائع عابرة، بل جرائم متكررة تُدار بأسماء واضحة ومسؤوليات معلومة، من بينهم:
اللواء عمرو الدسوقي – مدير منطقة سجون بدر
العميد هيثم أبو مسلم – مفتش السجون
العقيد أحمد الخولي – مأمور سجن بدر ٣
المقدم محمد حسام – نائب المأمور
المقدم محمد سوار – رئيس المباحث
الطبيب محمد عبد الصمد – مدير العيادة
المادة (٩٣) من الدستور المصري تفرض التزام الدولة بكل المعاهدات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي وقعت عليها، وتمنحها قوة القانون.
والمادة (٤) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تحظر كافة صور التعذيب وسوء المعاملة.
فما الذي تبقى من هذه النصوص؟ وهل تظل كلمات دون تطبيق؟
حزب غد الثورة الليبرالي المصري، أمام هذه الكارثة الوطنية والإنسانية، يُعلن ما يلي:
1️⃣ المطالبة الفورية بإصدار قرار عفو إنساني شامل، يشمل المعتقلين من كبار السن، النساء، الطلاب، وكل من قضى عشر سنوات أو أكثر في قضايا رأي.
2️⃣ الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين، ووقف العمل بمنظومة “التدوير الأمني” التي تُعيد السجناء إلى القضايا بذات التهم بعد انقضاء المدد القانونية.
3️⃣ إعلان تقرير رسمي طبي شامل حول الحالة الصحية لكل من الدكتور محمد البلتاجي والدكتور عبد الله شحاتة وغيرهم من المرضى السياسيين في السجون.
4️⃣ فتح تحقيق جنائي في جميع جرائم التعذيب النفسي والجسدي بسجن بدر ٣، وتقديم المتورطين إلى المحاكمة العادلة.
5️⃣ تشكيل لجنة تقصي حقائق حيادية بمشاركة ممثلين عن النقابات المهنية والمنظمات الحقوقية المستقلة، لزيارة السجون وتقديم تقرير علني إلى الرأي العام.
6️⃣ إحالة ملف انتهاكات سجن بدر إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان، واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، واللجنة الفرعية لمنع التعذيب بالأمم المتحدة.
هذا البيان ليس وثيقة احتجاج، بل شهادة للتاريخ، وبلاغ إلى الإنسانية، ورسالة إلى من لا يزال يؤمن أن في هذا الوطن حياة تستحق أن تُصان، وإنسانًا يستحق أن يُحترم.
ما زال في هذه البلاد من يقول “لا”… وما زال في هذا الحزب من يكتب “نعم” للحرية، والكرامة، والعدالة.
الدكتور أيمن نور
رئيس حزب غد الثورة الليبرالي المصري
٢٠ يوليو ٢٠٢٥