شباك نور

الدكتور أيمن نور يكتب: وداعًا دكتور حسام الشاذلي.. عشت غريبًا ومت وحيدًا

رساله للسفير المصري في تركيا

ليس سهلًا أن تكتب في وداع رجل كان مرآة نقية لإنسان وطني ، يخبئ جراحه خلف ابتسامته، ويلوّن غربته بشيء من الأمل، ويخوض غمار الحلم بالتغيير رغم كل السياط التي لاحقته في وطنٍ لا يرحم حتي الحالمين.

الدكتور حسام الشاذلي… لم يكن مجرد اسم في قائمة مناضلي الخارج، بل كان استثناءً في كل شيء؛ لم يكن عضوًا في حزب، ولا تابعًا لأي جماعة، ولم يكن من أهل الشعارات الكبيرة، بل من أهل الرؤى.

رجل حمل همّ الوطن لا بوصفه متنفذا فيه، بل متألمًا له، وحين قرر أن يبادر بفكره مشروع رومانسي “للتغيير”، لم يطلب شيئًا ،من احد، بل دفع كل شيء من أجل فكرة ظنّها تصلح الجراح العميقة في الجسد المصري.

التقينا مرة واحدة، في إسطنبول، بعد سنوات طويلة قضاها في سويسرا، أستاذًا للتغيير، ومستشارًا للإستراتيجيا، وقلبه معلّقٌ بوطنٍ لم يمنحه إلا العناد والقهر. كان اللقاء عابرًا في الزمن، لكنه باقٍ في الروح… جلس إلى جواري رجلًا مهيبًا تكسوه الكرامة، لكن عينيه لم تكُن تُخفيان حزنا و شوقًا دامعًا للعودة إلى مصر.

قال لي بصوت منخفض:
“نفسي أرجع، أموت في بلدي مش عايز حاجة… بس أرجع بكرامتي!”

لم يطلب جاهًا، ولا منصبًا، ولا حتى اعتذارًا من الذين كسروا قلبه بالأحكام الغيابية والمطاردات… كل ما أراده وطنٌ لا يطرده!

وفجأة… كأن الحياة قررت أن تعفيه من الانتظار الطويل. داهمه المرض، فدخل في غيبوبة لم تدم طويلًا، وكأن الجسد استعجل الرحيل بعد أن طال عليه الغياب. رحل الدكتور حسام كما عاش… بلا ضجيج، وبلا وداع، في صمتٍ موجِع، وغُربةٍ قاتلة، بعيدًا عن أهله وناسه ووطنه، يُدفن غدًا في أرض ليست أرضه، وتحت سماء لم تحتضن أحلامه.

قلبي يتفطر عليك يا صديقي…
لم تكن من الصاخبين ولا من المتطرفين، لكنك دفعت الثمن مضاعفًا، حيًّا وميتًا.
دفعت ثمن نقائك، واستقلالك، ووفائك لفكرةٍ لم تخنك، وإن خانك أهلها.

اليوم، يُدفن جسدك في المنفى، لا نعرف اين وكيف ولا احد من أسرتك هنا لكن روحك ستبقى بيننا… في قلب كل من عرفك أو سمع عنك. وسيبقى السؤال يطرق وجداننا:
كم من أمثالك علينا أن نخسر، حتى ندرك فداحة الصمت، وبشاعة الظلم، وقسوة الغربة؟

رسالة إلي سفير مصر في تركيا.
وقبل أن يُسدل الستار على هذا الوداع الحزين، نوجّه نداءً صادقًا، لا باسم السياسة، ولا تحت راية المعارضة، بل باسم الإنسانية التي لا تعرف انتماءً إلا للرحمة، ولا لغةً إلا لغة الوفاء.

إلى سعادة السفير المصري في أنقرة،
وإلى سعادة القنصل المصري في إسطنبول،
نكتب هذه السطور لا كعتبٍ، بل كرجاء… لا كاتهامٍ، بل كاستفهامٍ مؤلم:

هل من سبيل لإعادة جسد هذا المصري، الدكتور حسام الشاذلي، إلى وطنه، بعد أن حرّره الموت من قبضة الأحكام الغيابية والعسف الأمني؟

هل هناك متسع – ولو متأخرًا – لرحمةٍ تحمل هذا الجثمان الطاهر إلى ترابٍ اشتاق إليه طويلًا، أن يُدفن بين أهله ورفاقه، لا في منفى بارد لا يعرف حتى اسمه؟ولا أقامه له فيه ولا أسره او اهل ؟

هل نملك أن ننتظر غدًا صباحًا اتصالًا واجبًا، مستحقًا، من السفارة أو القنصلية، يحمل عرضًا كريمًا بمساعدتنا في نقل الجثمان إلى بلده ؟

أم أن الأبواب المغلقة ستبقى مغلقة حتى أمام صوت الموت، الذي يُفترض أن يفتح فينا نوافذ الرحمة والصفح والغفران؟

لسنا نطلب معروفًا… بل نستنهض واجبًا
قد يكون منسيًا.
لسنا نرفع راية الخلاف…
بل راية الكرامة في لحظة وداع.
فهل من مُجيب؟
رحم الله الدكتور حسام الشاذلي،
وغفر لنا جميعًا هذا الزمن الذي يطرد الحي، ويخذل الميت، ولا يعرف كيف يعانق أبناءه حتي في القبور

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى