مقالات وآراء

شادي طلعت يكتب: الشرطة عمود إذا إنكسر تساقطت الخيمة

في غمرة الغضب، وموقد الحوادث المتلاحقة، برزت حادثة خطيرة لا يجوز أن تمر كأن لم تكن، حين هاجم بعض المواطنين سيارة تابعة للشرطة المصرية في مدينة بلقاس.

مشهد لا يروي واقعة فردية، بل يبوح بما خفي من ألم جماعي، ويفتح أبواب التساؤل :

أين يقف جهاز الشرطة المصري اليوم ؟

وأين تقف الدولة من هذا المشهد ؟

وهل استوعب الجميع الدرس الذي كتب بدماء، ودموع في ميدان التحرير يوم (25 يناير 2011) ؟

لدي سؤالان يقتلان الصمت :

السؤال الأول/ موجه إلى أصحاب القرار، إلى من يقبضون على زمام الحكم ويمسكون بخيوط الدولة :

– هل رأيتم هذا المشهد ؟ أم أنكم ترونه مشهداً عابراً، لا يستحق الاهتمام ؟

أما السؤال الثاني/ فموجه إلى وزارة الداخلية بكل قطاعاتها وقياداتها :

– هل نسيتم كيف حملت الشرطة المصرية في ثورة 25 يناير 2011 وزر كل خطايا الحكم ؟ وهل تدركون أنكم اليوم على مشارف تكرار ذات المأساة، ولكن بثوب جديد ؟

من ذاكرة التاريخ القريبة :

نجد أن الشرطة قد تحولت في أعين الناس، بعد 25 يناير 2011، إلى شماعة علق عليها الجميع أخطاءهم، وكأنها كانت الآثمة الوحيدة في وطن تكالبت عليه الهزائم.

بينما وزارات ومؤسسات أخرى، شاركت في إنتاج القهر، خرجت من هذا المولد .. بلا حساب يذكر أو حتى مجرد عتاب.

لكن .. ورغم ما رسم من صور قاتمة حول (الشرطة المصرية)، تبقى الحقيقة واضحة لكل عاقل :

فالشرطة ليست مجرد وزارة، بل هي عمود الخيمة، فإن سقط العمود، سقطت معه الخيمة .. وإن انهار، انهارت الدولة.

ولدينا حقائق وأرقام لا تنكر :

– في عام 2011، انسحبت الشرطة من الشوارع، فتجرعت البلاد مرارة الفراغ الأمني.

– في 18 يوما فقط، سجل أكثر من 23 ألف بلاغ سرقة، وأحرق قرابة 99 قسم شرطة.

– وتحولت الشوارع إلى ميادين للبلطجة والفوضى.

هذا ليس تهويلاً، بل توثيق لما جرى حين غاب الأمن، وانكسر العمود.

الآن نحن أمام كارثة وشيكة :

ما حدث في بلقاس ليس مجرد اعتداء، بل هو نذير سقوط جديد.

فمن ظن أن الناس لا تتجرأ على رجال الشرطة، عليه أن يشاهد التسجيلات.

ومن ظن أن كراهية المواطنين للمخالفات الفردية ستنتهي من تلقاء نفسها، فليعد النظر في جغرافيا الغضب المنتشر في القرى قبل المدن.

إن الأمر لا يخص وزارة الداخلية وحدها، بل يخص الدولة بأكملها.

فلا تلقوا بحمل المؤسسة الأمنية على أكتاف أفرادها فحسب، فالخلل عندما يقع .. يقع من أعلى إلى أسفل، ومن أسفل إلى أعلى.

والآن : كيف ننقذ العمود قبل أن ينكسر :

بداية .. الشرطة في خدمة الشعب، لا فوقه.

وما يثبت أركان الأمن، ليس القمع بل العدل، وليس العنف بل الإحتواء، وليس التستر بل المحاسبة.

فليكن الإصلاح صادقاً، لا مظهرياً، وليكن على النحو التالي :

  • أولاً/ ترسيخ ثقافة التواضع في صفوف رجال الشرطة، فلا تعال ولا ازدراء.
  • ثانياً/ إحياء مبدأ (الشرطة في خدمة الشعب) قولاً وفعلاً، لا شعاراً ينسى عند أول تحقيق.
  • ثالثاً/ تفعيل قطاع حقوق الإنسان بوزارة الداخلية، وتوسيع صلاحياته في الرقابة والمحاسبة.
  • رابعاً/ معاقبة كل من تسول له نفسه انتهاك كرامة المواطن، ولو كان ذلك المواطن خارجاً على القانون، فالدولة لا تهان حين تحاكم، بل تهان حين تعذب.
  • خامساً/ فصل كل ضابط يرى في العصا طريقاً أسرع من القانون.

في النهاية :

الشرطة المصرية هي الوتر المشدود بين الأمن والانفلات، وعمود الخيمة الذي يتكئ عليه نظام الحكم برمته.

فمن عبث بالعمود من الداخل، فليقص أثره.

ومن حاول إسقاطه من الخارج .. لا يرد عليه بالقوة، بل بالإصلاح الذي يعيد للناس الثقة، وللدولة هيبتها.

وليكن شعار المرحلة :

(لا للظلم، لا للقمع، لا للتعذيب .. نعم للعدل، نعم للكرامة، نعم للإنصاف).

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى