ملفات وتقارير

عشرون عاما مرّت على أول انتخابات رئاسية تعددية في مصر 2005.. رئيس مهزوم ووصيف فائز وعدالة غائبة

“رئيس مهزوم ووصيف فائز وعدالة غائبة” هكذا رأى كثير من الخبراء والمتابعين سباق أول انتخابات رئاسية تعددية في مصر عام 2005 بمشاركة 10 مرشحين، والتي فاز بها الرئيس الراحل حسني مبارك في نتائج مشكوك في صحتها، وجاء الدكتور أيمن نور رئيس حزب غد الثورة كوصيف في المركز الثاني في سباق انتخابي غير نزيه وشابه كثير من التزوير واحتدام ساخن بين نور ومبارك.

فقد شهدت مصر عام 2005 أول انتخابات رئاسية تعددية في تاريخها، وانتخابات تشريعية شابها التوتر والعنف وما ارتبط بهما من أحداث في الشارع السياسي، وفي خضم تلك الأجواء الانتخابية الساخنة أعلن الرئيس مبارك في 26 فبراير/شباط 2005 أن اختيار رئيس الجمهورية سيكون عن طريق الاقتراع الحر المباشر من بين أكثر من مرشح، لكنه فرض قيودا على الترشح لرئاسة البلاد والتي اعتبرتها المعارضة بكافة توجهاتها تعجيزية وتفرغ تعديل الاقتراع من مضمونه. وفي الخامس والعشرين من مايو/آيار جرى استفتاء على هذا التعديل شابته عمليات قمع لتظاهرة احتجاج للمعارضة مما أثار انتقادات أميركية، وأقر التعديل بنسبة بلغت 82.86% حسب النتائج الرسمية.

الانتخابات طالتها انتقادات عدة؛ فقد رفضت اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية في 2005 تنفيذ أحكام قضائية تسمح بإشراف منظمات المجتمع المدني على الانتخابات، وأعلنت حركة “كفاية” المعارضة حينها أنها لن تعتد بنتيجة الانتخابات، كما لُوحق قضائيًا الدكتور أيمن نور بعد الانتخابات، بعدما حصل على أكثر عدد من الأصوات.

حماس فوّار وبرنامج طموح

 حلم الدكتور أيمن نور رئيس حزب الغد حينذاك من خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية 2005 بأن يكون أول رئيس مدني لمصر من خارج المنظومة العسكرية، التي تحكم مصر منذ عام 1952، وبدء تاريخ مدني جديد يخلو من العسكر وتخلص الوطن من ثنائية الشقاء، مطرقة المأساة وسندان المهزلة التي سقط بينهما الوطن لأكثر من 50 عاما، وفي ذلك الوقت كان قد مر على بقاء مبارك في كرسي الحكم 24 عامًا، تقلّب فيها نظام حكمه بين كل الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعانى الشارع السياسي في عهده من محاولات كثيرة لخنقه لكنها فشلت، وتأكد فشلها باندلاع ثورة 25 يناير.

دشن زعيم حزب الغد والمنافس الأبرز لمبارك في الانتخابات الرئاسية آنذاك حملته الانتخابية بعقد مؤتمر جماهيري وسط أنصاره بحي باب الشعرية في القاهرة هاجم فيه ما وصفه بالحكم الشمولي في البلاد طيلة السنوات الـ 24 الماضية. وقال إنه ليس أفضل إنسان في مصر يمكنه تولي حكم البلاد، لكنه الأفضل لشغل المنصب بين المرشحين. وأكد وقتها أنه في حالة نجاحه في الانتخابات فإن الحكومة التي سيشكلها ستكون مدتها 24 شهرا تعمل على نقل البلاد مما سماه حكم الفرد الذي تعيشه حاليا إلى حكم برلماني يكون فيه البرلمان مراقبا لكل تصرفات الحكومة ويكون منفصلا عن السلطة.

وقد انتقدت أحزاب المعارضة المصرية إعلان الرئيس حسني مبارك ترشحه لفترة رئاسية خامسة وشككت في برامجه الإصلاحية. ووصف د.أيمن نور خطاب الرئيس مبارك وقتها بشأن الإصلاح بأنه يفتقد للمصداقيه، وقال من المؤسف أن يتحدث مبارك الآن عن إصلاح “ما دمره خلال السنوات الـ24 الماضية” في غضون السنوات الست القادمة التي هي مدة الفترة الرئاسية.

وتعهد د.أيمن نور في برنامجه الانتخابي أنه سيلغي كافة القوانين المقيدة للحرية والقوانين الخاصة، وإلغاء قانون الطوارئ والإفراج الفوري عن المعتقلين وإلغاء كل ما يتصل بتشوهات التشريعات المقيدة للحرية مثل قانون الأحزاب وإلغاء قانون حبس الصحفيين. والعمل على الاعتراف بالآخر ودعم منح الإخوان المسلمين وضعا قانونيا بعد سنوات طويلة من المنع.

من 63% إلى 36%

يقول الدكتور أيمن نور في مذكراته أنه كان في طريقه إلى مقر اللجنة العليا للانتخابات، للبحث عن سر تأخر إعلان النتائج، حيث التقى بالصحفي ثروت شلبي، الذي حيّاه بابتسامة عابرة، ثم دسّ في جيبه لفافة أوراق دون أن ينطق بكلمة، كمن يسلم وصيةً في جنازة.

ويضيف نور في مذكراته أنه لم يلتفت للأمر في البداية، إلى أن مد يده في جيبه، فأمسك بلفافةٍ ثقيله، وعندما فتحها وهو في الطريق إلى اللجنة، فإذا هي نتائج الإسكندرية، وصلته عبر فاكس من المستشار الشريف هشام البسطويسي، تحمل أرقام اللجان الفرعية لجنةً لجنة، مختومةً بخاتم النسر، ثم يقول: وجدت نفسي الأول بنسبة 63% وبضع كسور، وكانت لحظةً كفيلة بأن تخلخل أركان يقيني كله، فها هي الأوراق الرسمية تنطق بما لا يجرؤ التلفزيون على قوله. وفي النهاية قال: الحقيقة أنني، منذ 7 سبتمبر 2005 وحتى 5 سبتمبر 2025، لا أعرف النتيجة الحقيقية. بين 63% و36% ضاعت الحقيقة، كما يضيع الصوت في ضجيج القاعات.

أمل واعتقال

اقتصرت اللافتات الانتخابية الخاصة بزعيم حزب الغد د.أيمن نور في انتخابات 2005 على كلمتين هما “الأمل والتغيير” والذي صرح بأنه سيسعى إليهما منذ اليوم الأول من انتخابه رئيسا لمصر، ورغم فوز الرئيس مبارك في الانتخابات إلا أن نظامه ألقى القبض على د. أيمن نور بعد الانتخابات، لكن بعد فوات الأوان فقد أعطى زعيم حزب الغد أملًا بإمكان تحدي السلطة في مصر، وأثبت للعالم أن في مصر من بإمكانه تحدي النظام مهما كان مستبدا، وأن الشعب ليس مع مبارك وابنه، انتخابات ٢٠٠٥ الرئاسية والبرلمانية كانت محطة مهمة في تقويض شرعية مبارك ونظامه، وفشل مشروع التوريث، لتندلع الثورة بعد ذلك، فهل يتحقق هذا الحلم في مصر مرة أخرى؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى