إسبانيا تصعّد: الحظر الكامل للأسلحة، وصف “الإبادة الجماعية”، ودعوة أوروبية للتغيير

إسبانيا تعلن حظرًا شاملاً لتصدير الأسلحة
إسبانيا تقرّر حظر توريد الأسلحة ومنع مرور عسكري، وتخصّص 150 مليون يورو دعمًا لغزة
أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، في بيان رسمي، اعتماد مرسوم قانون عاجل يقضي بفرض حظر كامل لتصدير الأسلحة لإسرائيل، مع منع استخدام الأجواء والموانئ الإسبانية لنقل أي شحنات عسكرية موجهة إليها. وشدّد سانشيز على أن بلاده لن تكون شريكًا في ما وصفه بـ “الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة”، مؤكدًا أن أي مشاركة أو تساهل مع عمليات نقل السلاح عبر الأراضي الإسبانية يعني “تواطؤًا غير مقبول” مع الاحتلال. المرسوم الذي أُقرّ بالإجماع في مجلس الوزراء يشمل: حظر تصدير جميع أنواع الأسلحة والذخائر وقطع الغيار إلى إسرائيل، منع مرور الطائرات والسفن المحمّلة بالسلاح عبر الأجواء والموانئ الإسبانية، وقف استيراد المنتجات القادمة من المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية، تقليص الخدمات القنصلية المقدمة للإسبان المقيمين في المستوطنات. إلى جانب الحظر العسكري، أعلنت مدريد تخصيص 150 مليون يورو كمساعدات عاجلة لقطاع غزة تُصرف عبر وكالة الأونروا، وتشمل الغذاء والدواء والمأوى للنازحين. وأكد سانشيز أن هذه الأموال تمثل “أكبر مساهمة إسبانية مباشرة في التاريخ الحديث” لدعم الشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى إمكانية زيادتها خلال السنوات المقبلة. القرار جاء وسط ضغوط محلية واسعة، إذ طالبت أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية بوقف أي تعاون عسكري مع تل أبيب. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة ستضع مدريد في موقع ريادي داخل أوروبا، لكنها أيضًا قد تواجه ضغوطًا أمريكية وإسرائيلية قوية في المرحلة المقبلة.
“الإبادة الجماعية”: أول استخدام رسمي من رئيس وزراء أوروبي
سانشيز يصف الهجوم على غزة بـ”الإبادة الجماعية” ويحرج الاتحاد الأوروبي
في سابقة أوروبية، وصف رئيس الوزراء الإسباني ما تتعرض له غزة بأنه “إبادة جماعية”، مؤكدًا أن استهداف المستشفيات والمدارس وتجويع الأطفال لا يمكن اعتباره دفاعًا عن النفس. الكلمة أثارت صدى واسعًا في الأوساط الغربية، وأحدثت ارتباكًا داخل الاتحاد الأوروبي الذي تجنّب حتى الآن تبني هذا المصطلح. داخل إسبانيا، لاقت تصريحات سانشيز دعمًا من الأحزاب اليسارية ومنظمات المجتمع المدني، واعتُبرت خطوة شجاعة تعكس التزامًا أخلاقيًا. أما على مستوى الاتحاد، فقد شكّلت إحراجًا كبيرًا للمؤسسات الأوروبية التي اعتادت الاكتفاء ببيانات القلق دون وصف مباشر للانتهاكات. منظمات حقوقية دولية رحبت باستخدام المصطلح، مؤكدة أنه يتطابق مع تعريف القانون الدولي للإبادة الجماعية، خاصة في ما يتعلق باستهداف المدنيين ومنع وصول المساعدات. ويرى محللون أن إسبانيا بذاك كسرت حاجز الخوف، وقد تشجع دولًا أخرى على استخدام نفس التوصيف، مما يفتح الباب أمام تحركات قانونية ودبلوماسية ضد إسرائيل.
رد الفعل الإسرائيلي: اتهامات وتصعيد دبلوماسي
تل أبيب تهاجم مدريد وتتّهمها باللاسامية وتفرض قيودًا على المسؤولين الإسبان
ردّت إسرائيل بغضب على الموقف الإسباني، واعتبرت أن حكومة بيدرو سانشيز تنتهج “خطابًا معاديًا للسامية”. وأعلنت منع دخول عدد من الوزراء الإسبان إلى الأراضي المحتلة، من بينهم وزيرة العمل يولاندا دياز. في المقابل، قررت مدريد استدعاء سفيرها من تل أبيب للتشاور، ما عكس جدية الموقف الإسباني واستعداده لتحمل تبعات الأزمة. بعض المحللين وصفوا هذا التطور بأنه بداية انهيار في العلاقات الثنائية التي كانت مستقرة نسبيًا. داخل إسرائيل، انقسمت الآراء بين مؤيد للتشدد ضد مدريد، ومحذر من أن التصعيد قد يعزل تل أبيب أكثر دوليًا. الأزمة مرشحة لمزيد من التفاقم إذا استمرت إسبانيا في الدفع بمبادرات أوروبية ضد الاحتلال.
البعد الأوروبي والدولي: تداعيات محتملة وتوازن حساس
هل تمهّد مدريد الطريق لتحرك أوروبي أوسع ضد إسرائيل؟
قرار إسبانيا أطلق نقاشًا واسعًا داخل الاتحاد الأوروبي حول مستقبل العلاقات مع تل أبيب. فقد دعت مدريد إلى تعليق اتفاقية الشراكة الأوروبية – الإسرائيلية التي تمنح إسرائيل امتيازات تجارية، معتبرة أن استمرارها في ظل الجرائم المرتكبة في غزة “فضيحة أخلاقية”. هناك مؤشرات إلى إمكانية أن تحذو دول مثل بلجيكا وإيرلندا حذو إسبانيا، وهو ما قد يشكّل محور ضغط جديد داخل الاتحاد. على الجانب الآخر، تتابع واشنطن الموقف بقلق وتسعى لاحتواء التصعيد خشية أن يؤثر على وحدة الحلف الأطلسي. القرار الإسباني يثير أيضًا أسئلة حول التعاون العسكري داخل الناتو، حيث يُعتبر وجود إسرائيل شريكًا أمنيًا غير رسمي. يرى خبراء أن هذه التطورات قد تفرض على الاتحاد الأوروبي إعادة تقييم شامل لمواقفه من إسرائيل.
مقارنة عربية: صمت رسمي يقابله تحرك أوروبي
لماذا سبق الغرب العرب في فرض عقوبات على إسرائيل؟
في الوقت الذي تبنّت فيه مدريد موقفًا جريئًا، بقي الموقف العربي الرسمي محدودًا في بيانات تنديد عامة. هذه المفارقة أثارت استياءً شعبيًا واسعًا، حيث تساءل كثيرون: كيف يسبق الغرب العرب في فرض عقوبات على إسرائيل؟ رغم امتلاك العالم العربي أوراق ضغط اقتصادية وسياسية كبرى، إلا أن غياب التنسيق والانقسامات الداخلية جعلت التحرك العربي ضعيفًا. مقارنة مع الخطوات الأوروبية العملية مثل حظر السلاح أو تقديم مساعدات ضخمة، بدا الموقف العربي باهتًا. هذا التناقض دفع الشارع العربي إلى فقدان الثقة في حكوماته، وزاد من شعبية المواقف الأوروبية التي بدت أكثر جرأة في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين. ويظل السؤال: هل يدفع هذا الضغط الأوروبي الأنظمة العربية إلى مراجعة سياساتها، أم يبقى الصمت هو سيد الموقف؟
الأبعاد الإنسانية والإعلامية: صورة جديدة لإسبانيا
150 مليون يورو لغزة… تضامن عملي ورسالة سياسية
لم يقتصر القرار الإسباني على الجانب السياسي، بل حمل بُعدًا إنسانيًا واضحًا من خلال تخصيص 150 مليون يورو لمساعدة غزة. هذه الخطوة اعتُبرت رسالة تضامن عملية، وأحرجت حكومات أوروبية أخرى لم تقدم دعمًا مشابهًا. الإعلام العالمي ركّز على البعد الإنساني، وصوّر إسبانيا كـ”صوت الضمير الأوروبي”، بينما أبرز الإعلام العربي هذه الخطوة كرسالة دعم مباشرة للفلسطينيين. في الداخل الفلسطيني، يتوقع أن تستفيد الفصائل السياسية من هذا الموقف لإثبات أن هناك دولًا أوروبية بدأت تتخذ خطوات عملية للاعتراف بمعاناة الفلسطينيين. القرار عزز أيضًا صورة إسبانيا عالميًا كدولة تنحاز للقيم الإنسانية، ما منحها مكانة مميزة وسط المشهد الدولي.
الخلاصة: بداية تحول أم خطوة منفردة؟
إسبانيا بين دور الريادة أو مواجهة العزلة الأوروبية
يبقى السؤال: هل يمثل الموقف الإسباني بداية لتحول أوروبي شامل، أم مجرد خطوة منفردة ستواجه عزلة وضغوطًا للعودة عنها؟ إذا التحقت دول أخرى مثل بلجيكا وإيرلندا بالموقف الإسباني، قد نشهد محورًا جديدًا داخل الاتحاد الأوروبي يعيد صياغة العلاقات مع إسرائيل. أما إذا بقيت مدريد وحدها، فقد تتعرض لضغوط أمريكية وإسرائيلية تجبرها على التراجع. في كل الأحوال، الموقف الإسباني كشف عن انقسام حاد بين خطاب القيم الإنسانية وبين حسابات السياسة الواقعية. ويبقى على العالم العربي أن يقرر: هل سيظل متفرجًا بينما تتحرك أوروبا، أم يستثمر اللحظة ليعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية؟