مقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب: شخصيات في حياتي (١).. عماد الدائمي الصديق العذب، رفيق الدرب


في حياتي، وجوه لا تُنسى، وشخصيات أضاءت طريقي في عتمة السجن وعتمة الوطن، أو في عتمة الغربة. أكتب عنهم لأنهم يستحقون أن يُكتَب عنهم، وأكتب لهم لأن الوفاء أبسط ديون القلب.

أكتب اليوم عن عماد الدائمي، الرجل الذي ظلّ حاضرًا في وجداني مهما ابتعدت المسافات. كان في الغربة وطنًا، وفي السياسة أخًا، وفي الصحبة عطرًا لا يزول.

لم يكن مجرد نائب تونسي أو قيادي سياسي، بل كان روحًا تمشي بين الناس برفق، تترك أثرها في كل قلب، وتزرع حولها الدفء حيث يبرد المنفى.

قبل ثورة تونس كان مناضلًا مطاردًا، عاش مرارة النفي لكنه لم ينكسر. حمل وطنه في حقيبة صغيرة، لكنه حمل كرامته في قلبٍ كبير.

وعندما انتصرت الثورة، لم يهرع ليقطف ثمارها، بل انحاز إلى قيمها، والتحق بقصر قرطاج إلى جوار الرئيس الجليل المنصف المرزوقي، يخدم الثورة لا نفسه، ويحرس الحلم لا المقعد.

في سنوات الانقلاب على الديمقراطية، لم يتراجع، بل أسس مؤسسة جريئة لمحاربة الفساد، كاشفًا وجوهه وأسماؤه، متحمّلًا الأذى كمن وُلد ليقف في وجه العاصفة.

وواصل مسيرته في المجلس العربي للديمقراطية، الدينامو الذي لا يهدأ، يمدّ المجلس بطاقة لا تنضب، كأن قلبه بطارية من أمل.

لكن ما يميّزه أكثر من كل شيء لم يكن السياسة ولا المواقع، بل إنسانيته العذبة. كان يضحك في وجه الألم، ويربّت على أكتاف الآخرين قبل أن يشعر بثقل الأعباء على كتفه.

عرفته رجلًا يجمع بين الحزم في الموقف والحنان في المعشر، بين شجاعة الميدان ورقّة الصديق. قلبه خُلق من ماء ونار معًا.

عندما قرر الترشح للرئاسة، كان طبيعيًا أن يخطو هذه الخطوة، لكنه حُرم منها قسرًا بقرارات لا تعكس إلا خوف السلطة من نقاء يديه ونظافة تاريخه.

في حسابات الغربة، مكاسبي قليلة، لكن عماد يتصدّرها.

هو مع المنصف المرزوقي وتوكل كرمان وطن آخر صنعته الصداقة، وطن لا تحده جغرافيا ولا يضيّقه طغيان.

عماد الدائمي هو الرجل العذب، السياسي النقي، الإنسان الذي علّمني أن السياسة يمكن أن تظل طاهرة، وأن النضال يمكن أن يبقى جميلاً، وأن الصداقة قد تكون أثمن من الأوطان.

وغدًا، أغادر الحديث عن العذب الرفيق، لأفتح الصفحة على النهر الكبير الذي شربنا منه معنى الحرية، على الأب والقدوة والرمز الذي ظلّ مناضلًا حتى وهو رئيس: محمد المنصف المرزوقي.

أكتب عنهم ليبقى أثرهم، وأكتب عن نفسي لأبقى وفيًا لهم.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى