مقالات وآراء

د. طارق الزمر يكتب : هل تنقل إسرائيل المعركة إلى عواصمنا بعد خسارتها في غزة؟

في لحظة مفصلية من عمر الصراع الممتد، أقدمت إسرائيل – عبر طائرات مسيرة وصواريخ دقيقة – على تنفيذ محاولة اغتيال لقادة بارزين من حركة حماس داخل العاصمة القطرية الدوحة، في الحي الدبلوماسي الأكثر تحصينًا، وفي سابقة هي الأولى من نوعها منذ عقود.

ورغم أن العملية باءت بالفشل ولم تُصِب أهدافها، فإنها تبقى محطة فارقة في مسار المواجهة، تكشف تحوّلات خطيرة في طبيعة المعركة وتوازنات الردع وحدود الحصانة.

ليست هذه المحاولة مجرد عملية أمنية خارجية، بل هي إعلان استراتيجي بأن الاحتلال قرر نقل ساحة الاشتباك إلى عواصم عربية لم تكن سابقًا ضمن دائرة النار، بما يعكس مأزقًا إسرائيليًا متصاعدًا أمام صمود غزة، وفشل آلة القتل في كسر إرادة المقاومة أو فرض شروط الاستسلام عليها.

فحين تعجز إسرائيل عن تحقيق أهدافها داخل حدود القطاع، تتجه لخلط الأوراق خارجه، على أمل إرهاب الحاضنة السياسية والدبلوماسية والإنسانية للمقاومة.

لكن نتائج هذه العملية جاءت عكسية تمامًا، فبدلًا من ردع المقاومة، كشفت المحاولة عن عدة رسائل خطأ:

  • 1. فشل أمني واستخباراتي واضح، إذ لم تُصِب العملية هدفها، رغم ما تملكه إسرائيل من تكنولوجيا متقدمة وشبكات تجسس إقليمية.
  • 2. إحراج دبلوماسي غير مسبوق لإسرائيل، إذ استهدفت دولة حليفة للولايات المتحدة وتلعب دورًا محوريًا في مفاوضات الأسرى والتهدئة.
  • 3. تعزيز موقف قطر كلاعب إقليمي محوري، حيث أظهرت صلابة سياسية وأمنية، ورفضت الانجرار أو التخلي عن دورها كوسيط.
  • 4. تآكل صورة إسرائيل كطرف ضامن “للأمن الإقليمي”، وتحولها إلى مصدر تهديد حتى في عواصم الحلفاء.

أما من زاوية استراتيجية، فإن هذه المحاولة تعني بوضوح أن إسرائيل تخشى اليوم معادلة “المنفى الآمن”، وتسعى إلى نزعها من أيدي قادة المقاومة، في ظل إدراكها أن قيادات الخارج – سياسيًا ودبلوماسيًا – باتت تلعب دورًا محوريًا في إدارة المعركة والتفاوض والشرعية الدولية. فهي تحاول اليوم أن تقول: لا مكان آمن بعد غزة، ولا خط أحمر بعد رفح.

لكن هل يُكتب لهذا الاتجاه أن يتصاعد؟ الإجابة مرهونة بعدة عوامل:

مدى صلابة الرد القطري، واستمرارها في لعب دور الوسيط رغم الاستهداف. وقد أظهرت الدوحة – حتى الآن – تماسكًا سياسيًا يحسب لها. • الموقف الأميركي، فهل تعتبر واشنطن هذه العملية تجاوزًا للخطوط أم تصمت أمام تغوّل حليفها المدلل؟ • حيوية الرد العربي والإسلامي، إذ يجب أن يكون هذا الاستهداف جرس إنذار للجميع: أن العواصم العربية ليست بمنأى عن نار العدوان إذا لم ترسم حدودًا واضحة لسيادتها.

في النهاية، قد تكون هذه العملية بداية نمط جديد من الحرب الصهيونية، حرب بلا خرائط، وبلا قواعد، تستهدف القيادات والبنى التحتية للمقاومة أينما وُجدت. لكنّ الثابت أن محاولة تصدير الأزمة من غزة إلى الخارج، لن تحلّ المأزق الإسرائيلي، بل ستوسّع جبهات المعركة وتفتح أبوابًا جديدة للرد الشعبي والسياسي.

لقد خسرت إسرائيل رهان الردع في غزة، ولن تربحه في الدوحة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى