
في عالم تهيمن عليه الدولة القومية، تظل السيادة الوطنية التحدي الأكبر أمام أشكال الحكم فوق الوطنية والتعاون الدولي الفعال.
بينما تعززت سلطة الحكومات المركزية، تبرز القومية كعقبة أمام التكامل الإقليمي والمؤسسات الدولية و تعزيز سلطة الحكومات المركزية .
وقد أصبحت الحكومات المركزية في معظم الأنظمة السياسية الحديثة مجهزة بشكل أفضل من أي وقت مضى لممارسة ولايتها على كامل أراضيها.
ففي العالم النامي، اجتاحت الحركات القومية والقوى الاقتصادية الحديثة الهياكل التقليدية للحكم المحلي، وحلت محل أنظمة القبيلة والقرية والمقاطعة بأجهزة إدارية موجهة مركزياً.
حتى في الدول الصناعية الكبرى، يتسارع الاتجاه نحو مركزية السلطة. ففي الولايات المتحدة مثلاً، تغير هيكل العلاقات بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات والمحليات بشكل دفع بسلطات أكبر إلى واشنطن.
ورغم أن نظام المنح الفيدرالية يبدو وكأنه وسيلة لامركزية الإدارة، إلا أن آلياته الشرطية مكنت الحكومة المركزية من التأثير في سياسات كانت تقليدياً من اختصاص الولايات.
ولكن صعود الدولة القومية وهيمنة القومية
جعل الدولة القومية النموذج المسيطر في النظام السياسي العالمي، بينما أصبحت القومية – كعقيدة تركز الولاء الأعلى للشعب على الدولة القومية – القوة المهيمنة في السياسة الدولية.
كانت الحروب النابليونية التي نشرت مبادئ الثورة الفرنسية الشرارة التي أطلقت القومية كقوة في أوروبا، مما أدى إلى توحيد إيطاليا في “النهضة” وظهور ألمانيا البسماركية.
ثم حملت الحربان العالميتان مبادئ تقرير المصير والديمقراطية الليبرالية إلىفي جميع أنحاء العالم ، وأسست لدول جديدة في أوروبا الشرقية عام 1919، ثم لدول مستقلة في آسيا وإفريقيا بعد 1945.
وأكمل انهيار حلف وارسو والاتحاد السوفيتي التحول من الإمبراطوريات متعددة الجنسيات إلى الدول القومية ذات السيادة الكاملة.
وبسبب تحديات السيادة في العصر الحديث فقد برهنت القومية على أنها العقبة الأكثر أهمية ليس فقط أمام ظهور أشكال حكم فوق وطنية، ولكن أيضاً أمام التعاون الدولي الفعال.
وفشلت محاولات الفيدرالية وأشكال التكامل متعدد الجنسيات في العديد من المناطق، كما يتجلى في:
· انهيار اتحاد روديسيا ونياسالاند
· فشل اتحاد الملايو
· محدودية فعالية منظمة الدول الأمريكية وجامعة الدول العربية
حتى انهيار حلف وارسو في أواخر الثمانينيات كان نتيجة استعادة دول أوروبا الشرقية لسيادتها بعد عقود من الهيمنة السوفيتية.
وفي المقابل، تظل تجربة الاتحاد الأوروبي حالة استثنائية، حيث توحدت دول أوروبا الغربية – ثم توسعت لاحقاً – على أساس تاريخ مشترك وتراث ثقافي وتوقعات بمنفعة اقتصادية مشتركة.
ومع ذلك، حتى في هذه الحالة، تبرز القومية كعقبة أمام أهداف الوحدة الطموحة التي تهدف إلى تقييد السيادة الوطنية في مجالات حيوية.
و رغم تعزيز سلطة الحكومات المركزية وصعود الدولة القومية، تظل القومية تحديًا أساسيًا أمام أشكال التكامل الإقليمي والمؤسسات الدولية.
فالتوازن بين السيادة الوطنية والتعاون الدولي يبقى الإشكالية المركزية في السياسة العالمية المعاصرة، خاصة في ظل التحديات المشتركة التي تتطلب استجابات متعددة الأطراف.







