
منذ أكثر من نصف قرن، يتكرر في المحافل الدولية شعار “حل الدولتين” باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. يقوم هذا الحل على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 إلى جانب “إسرائيل”. لكن قراءة دقيقة لمسار المشروع الصهيوني– اليهودي والمسيحي– منذ بدايته تكشف أن هذا الشعار مجرد وهم سياسي لا يمكن أن يتحقق، بل يتعارض مع جوهر المشروع الاستيطاني والديني للصهيونية.
أولًا: الخلفية التاريخية والفكرية.
1- وعد بلفور 1917: نصّ على “وطن قومي لليهود في فلسطين”، ولم يتحدث عن دولة للفلسطينيين.
2- خطة التقسيم 1947 (القرار 181): منحت الصهاينة أكثر من 55% من الأرض رغم أنهم كانوا أقلية، ورفضوا أي التزامات حقيقية بحقوق الفلسطينيين.
3- احتلال 1967: أكمل الصهاينة سيطرتهم على كامل فلسطين التاريخية، لتصبح فكرة “الدولتين” مجرد محاولة لتجميل الاحتلال.
4- العقيدة التلمودية والإنجيلية المسيحية: تقوم على أن فلسطين “أرض الميعاد” التي لا تقبل شريكًا (سفر التكوين 15:18، يشوع 1:4)، مما يجعل أي تنازل عن الأرض “خيانة دينية” من منظورهم.
ثانيًا: الأسباب التي تجعل حل الدولتين مستحيلًا.
1- الطبيعة الاستعمارية للمشروع: الصهيونية ليست حركة وطنية تسعى لحدود، بل مشروع إحلالي توسعي هدفه محو فلسطين
2- الاستيطان: اليوم هناك أكثر من 750 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس (تقارير الأمم المتحدة 2023)، ما يجعل أي انسحاب أو تقسيم جغرافيًا غير ممكن.
3- السيادة: الدولة الفلسطينية الحقيقية تعني سيادة على الحدود والمطارات واللاجئين والموارد، وهو ما يتناقض مع الأمن القومي الإسرائيلي القائم على السيطرة الكاملة.
4- الرفض العقائدي: “إسرائيل” تعرّف نفسها كـ”دولة يهودية أبدية”، وأي دولة فلسطينية بجانبها تعني نزعًا لأساطير “الأرض الكاملة” من سفر عاموس وغيره
5-الدعم الغربي–الأمريكي:
المسيحية الصهيونية ترى في قيام “إسرائيل الكبرى” تحقيقًا لنبوءة هرمجدون، وبالتالي لا يمكن أن تسمح بمشروع يقيد التوسع.
ثالثًا: التفاعلات الدولية.
الأمم المتحدة: أكثر من142 دولة اعترفت بفلسطين (2012
2025)، لكن قراراتها تبقى رمزية لغياب الإرادة الدولية لفرضها.
أمريكا: ترفع شعار “حل الدولتين” لكنها عمليًا تجهضه بدعم غير مشروط لإسرائيل (الفيتو 45 مرة في مجلس الأمن ضد فلسطين).
أوروبا: منقسمة بين تأييد لفظي واصطفاف عملي مع إسرائيل لأسباب اقتصادية وسياسية.
العرب: بعضهم تبنّى المبادرة العربية (2002)، لكن التطبيع (اتفاقات أبراهام 2020) كشف أن أغلب الأنظمة تخلّت عن هذا الحل عمليًا.
رابعًا: المآلات المتوقعة.
1- انهيار فكرة الدولتين نهائيًا: الاستيطان والضم يجعلها غير قابلة للتطبيق.
2/ تثبيت واقع الدولة الواحدة العنصرية: إسرائيل تفرض واقع “الأبارتهايد” حيث الفلسطينيون سكان بلا سيادة.
3- تصاعد المقاومة: مع انغلاق الأفق السياسي، تصبح المقاومة المسلحة والشعبية الخيار الأوحد أمام الشعب الفلسطيني.
4- تحول الصراع إلى عالمي: مع تصاعد دور الحركات الإسلامية والوعي العالمي، يتعمق البعد الديني–الاستراتيجي للصراع.
خامسًا: النتائج الاستراتيجية.
حل الدولتين لم يكن يومًا هدفًا حقيقيًا للمشروع الصهيوني، بل أداة لإضاعة الوقت وتكريس الاحتلال.
أي دولة فلسطينية ذات سيادة تعني بداية تفكك وزوال إسرائيل، وهو ما يجعل تل أبيب وواشنطن تعملان على إفشاله باستمرار.
المعركة ليست على “حدود 1967″، بل على وجود المشروع الصهيوني كله مقابل حق الأمة الإسلامية في فلسطين.
الخاتمة: حل الدولتين شعار دولي يستحيل تحقيقه؛ لأنه يتناقض مع جوهر المشروع الصهيوني الذي قام على أساطير توراتية وإنجيلية تؤمن بـ”الأرض الكاملة”.
ما يُطرح في الأمم المتحدة مجرد إدارة للأزمة لا حل لها. والنتيجة الحتمية أن الصراع سيستمر حتى تتحقق سنّة الله: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ} [الحج: 40]، والعاقبة للمتقين.