
نتنياهو: المكتب السياسي لحماس هو “العقبة الرئيسية” أمام السلام.. ماذا يعني الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة؟.. الموساد في قلب الدوحة وإسطنبول وأنقرة وقبرص
اختراقات بشرية وتقنية.. وصول مباشر إلى كاميرات المراقبة.. بنك الأهداف: زاهر جبارين في صدارة قائمة إسرائيل.. وقياديان من حماس في تركيا تحت مرمى النيران
هل كانت واشنطن على علم بالضربة؟! وماذا كان يفعل قائد القيادة العسكرية المركزية في تل أبيب قبلها بثلاثة أيام؟.. ترامب ونتنياهو: توافق كامل حول التهجير ومشروع “ريفييرا الشرق الأوسط”
من ماكرون إلى سانشيز… حملات تشويه تنتظر خصوم إسرائيل.. نتنياهو يدشّن “الاستراتيجية الكبرى لإسرائيل” ويوسّع جبهات الحرب: غزة، الضفة، لبنان، سوريا، اليمن، قطر… والقادم أخطر
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم السبت الماضي 13 سبتمبر أن قادة حركة “حماس” يمثلون “العقبة الرئيسية” أمام السلام وأن التخلص منهم سيؤدي إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة.
وكتب نتنياهو في منشور له على موقع “إكس” تويتر سابقا، ان قادة حماس” الذين يعيشون في قطر عرقلوا جميع المحاولات لتحقيق وقف إطلاق النار من أجل إطالة أمد الحرب إلى ما لا نهاية، مضيفا ان التخلص منهم سيزيل العقبة الرئيسية أمام الإفراج عن جميع رهائننا وإنهاء الحرب”.
جاءت تصريحات نتنياهو عقب جلسة مجلس الأمن التي ادان فيها العالم أجمع الاعتداء الاسرائيلي على الدوحة، واعلان الرئيس الأمريكي ( بشكل تمثيلي) غضبه من تصرف صديقه نتنياهو وتأكيده على انه لم يكن على علم بالعملية الا قبيل وقوعها بلحظات.
ماذا يعني ذلك؟
وقبل أن نجيب عن هذا السؤال المحوري، الذي ستُحدِّد إجابته ملامح ما نحن مُقبِلون عليه في المنطقة بأسرها خلال الفترة القادمة، دعونا نستعرض عددًا من الموضوعات التي قد تبدو متباعدة، لكن يجمعها خيط واحد، هو ارتباطها الوثيق بالحدث: أعني الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على قطر، وما سبقه من تمهيد، وما يخطط له نتنياهو لاحقًا..
أولًا: أبعاد الضربة الجوية على مقر حركة حماس في الدوحة
لم تكن الضربة الإسرائيلية التي استهدفت مقرًّا لحركة حماس في الدوحة مجرد عملية عسكرية هدفها اغتيال عدد من قادة المكتب السياسي للحركة، بل حملت رسالة استراتيجية مركّبة. فمن جهة، سعت إسرائيل إلى إضعاف وفد التفاوض الحمساوي عبر استهداف شخصيات تعتبرها متشددة، مثل خليل الحية وزاهر جبارين (الذي سنفرد له مساحة خاصة في هذا التقرير)، تمهيدًا لفتح الطريق أمام التعامل مع قيادات أقل تصلّبًا ــ من وجهة نظر نتنياهو ــ مثل عز الدين الحداد في غزة.
ومن جهة أخرى، حاول نتنياهو أن يبعث برسالة واضحة مفادها أن إسرائيل لن تتراجع عن مطالبها المعلنة، وهي:
1.الإفراج عن جميع الرهائن دفعةً واحدة.
حتى لو اضطُرّ في سبيل ذلك إلى خرق كافة الخطوط الحمراء، واستهداف القيادات السياسية العليا للحركة داخل دولة حليفة للولايات المتحدة، مثل قطر، التي تقوم بدور ملحوظ في ملف مفاوضات الإفراج عن الرهائن
ثانيًا: البُعد الاستخباراتي:
كشفت تقارير استخباراتية غربية أن الموساد كان يُعِدّ منذ عامين لعملية سرية واسعة داخل قطر، اعتمدت على اختراقات بشرية وتقنية، من بينها:
وقد عكس ذلك بطبيعة الحال قدرة تل أبيب على توسيع نطاق حربها الاستخباراتية خارج غزة لتشمل قطر ولبنان وتركيا. كما تجلّى بوضوح في إيران مؤخرًا، حيث استُهدف عدد من قادتها الأمنيين بدقة في الأيام الأولى من حرب الاثني عشر يومًا
إسطنبول وقبرص:
أكدت التقارير نفسها أن الموساد يمتلك خلايا نشطة في كلٍّ من إسطنبول وأنقرة، تعمل منذ عامين على تقديم تقارير دقيقة عن اجتماعات وإقامات قيادات حماس وداعميهم من الأتراك، سواء كانوا مسؤولين حكوميين، أو قادة حزبيين، أو شخصيات عامة. وفي مقدمتهم القياديان عبد الوهاب أكينجي ورجب سونغول، اللذان يُعَدّان من أبرز المساهمين في شركتَي SADAT وASSAM المرتبطتين بأردوغان، واللتين تنشطان أساسًا في شمال سوريا وليبيا.
وبالتوازي، جرى إنشاء خلية سرية في قبرص قبل ثلاث سنوات، أوكلت إليها مهمة جمع المعلومات وتحديد الأهداف داخل تركيا، تمهيدًا لعملية كبرى يجري الإعداد لها، قد تكون التالية لعملية الدوحة
بنك الأهداف:
يبرز زاهر جبارين أحد قادة المكتب السياسي لحماس وزعيم الحركة في الضفة الغربية وأحد القيادات الذين استهدفهم هجوم الدوحة كأحد الأهداف المركزية لإسرائيل لأسباب عديدة أهمها:
١- أنه أمين صندوق حماس منذ سنوات طويلة، والرجل المقرّب من إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي السابق للحركة والذي اغتالته اسرائيل ابان حلوله ضيفا على ايران بصاروخ موجه اخترق مكان اقامته في طهران.
٢- تتهمه اسرائيل بالقيام بعمليات غسيل أموال واسعة النطاق خاصة في أسواق العملات الرقمية المشفرة في شمال قبرص بمساعدة من بكري حنيفة احد المسؤولين الماليين الكبار للحركة الذي يدير التحويلات المالية السرية من تركيا وقطر إلى شركات متخصصة في العملات البديلة أغلبها في شمال قبرص.
٣- لعلاقاته الوثيقة والمتشعبة بقادة وفاعلين سياسيين في كل من تركيا وإيران ولبنان خاصة قادة حزب الله.
٤- تتهمه اسرائيل ايضا بأنه صلة الوصل بين بين الأذرع المالية والعسكرية للحركة وانه اهم رجل مطلوب لديها حاليا، لذا كان جبارين احد الأسباب الكبرى وراء مخاطرة اسرائيل بعملية الدوحة التي لن تكون الأخيرة من وجهة نظري وفقا لما هو متاح من معلومات أمامي.
هل كانت أمريكا على علم بالضربة؟!
سؤال ستُحدِّد الإجابة عنه مستوى ما هو قادم، ومدى تمادي نتنياهو في تنفيذ خطته الرامية إلى إنهاك حركة حماس داخليًا وخارجيًا، تمهيدًا لتهجير سكان القطاع وتسليمه على طبق من ذهب إلى ترامب، لتحقيق حلم الأخير بإقامة “ريفيرا الشرق”، وكذلك ضم الضفة الغربية وترحيل أهلها إلى الأردن، واقتلاع القضية الفلسطينية من جذورها.
زيارة بالغة الرمزية:
قبل ثلاثة أيام من الهجوم على الدوحة، استقبلت إسرائيل يوم 6 سبتمبر، الذي صادف يوم السبت (الشابات اليهودي)، الأدميرال براد كوبر، القائد الجديد للقيادة المركزية للقوات المسلحة الأمريكية، في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها منذ تعيينه عام 2024، بدعوة من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال هرتسي هاليفي.
وبحسب الجيش الإسرائيلي، فقد ركزت محادثات الأدميرال كوبر مع الجنرال هاليفي على ثلاث أولويات رئيسية:
وقد اعتبر مسئولون في الجيش الفرنسي، أن زيارة كوبر في هذا التوقيت تؤكد على الأهمية المركزية للتحالف الإسرائيلي–الأمريكي في شرق أوسط يغلي بالأزمات. فمن خلال إظهار وحدتهما في مواجهة إيران وحزب الله وحماس، بعث الجيش الإسرائيلي والقيادة المركزية الأمريكية برسالة واضحة مفادها: ان أي هجوم ضد إسرائيل سيُنظر إليه على أنه هجوم على المصالح الأمريكية في المنطقة.
الخلاصة:
إن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، أو بالأحرى بين القوات المسلحة الأمريكية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، قائمة على حقيقة بسيطة: أمريكا تحتاج إلى إسرائيل كحليف موثوق في الشرق الأوسط، فيما تعتمد إسرائيل على المظلة الاستراتيجية الأمريكية.
هذه العلاقة تعززها اتفاقيات التعاون الموقعة منذ ثمانينيات القرن الماضي، والتي يتم تجديدها بانتظام، فضلًا عن التعاون الاستخباراتي الدائم بين أجهزة البلدين. وعليه يتضح جليًا أن الهجوم على الدوحة ـ بل وأي هجوم قادم ـ قد تم وسيتم بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، حتى وإن صرّح رئيسها ترامب بعكس ذلك
وماذا بعد؟
في إطار إصرار ترامب على اقتلاع القضية الفلسطينية من جذورها، ورفضه القاطع لقيام دولة فلسطينية، حتى ولو كانت منزوعة السلاح ومجزأة الأوصال ــ كما هو الاقتراح الفرنسي الذي تتبناه بعض الدول الأوروبية ــ فإنه يمضي في خطته لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وضمّ الضفة الغربية، وتصفية كل أشكال المقاومة المسلحة في المنطقة؛ سواء في اليمن عبر الحوثيين، أو في لبنان عبر نزع سلاح حزب الله، أو في الأراضي المحتلة عبر نزع سلاح الفصائل الفلسطينية جمعاء، وليس حماس فقط.
وفي سبيل ذلك، ولضمان التفاعل الأمريكي الكامل مع خطته، قد يُقدم ترامب على خطوات متهورة تُسهم في تدعيم مشروعه.
معلومات:
أولًا:
تؤكد جميع المصادر التي تواصلنا معها في أوروبا أن إدارة ترامب في حالة توافق كامل مع نتنياهو بخصوص ملف التهجير، وتحديدًا دفع الفلسطينيين إلى جنوب غزة، ثم التفكير لاحقًا في تقرير مصيرهم بمنطق: “دعنا نصل إلى الجسر، ثم نفكر كيف نعبره.”
والأكثر إثارة للدهشة أن أجهزة استخبارات البلدين تعمل بشكل مشترك على مدار الساعة، ولا يحدث أي تطور هنا أو هناك إلا بتنسيق بين الطرفين. وفي مقدمة تلك الأحداث، كانت الضربة التي استهدفت قادة حماس في الدوحة، حيث تشير المعلومات إلى أن الأمريكيين كانوا على علم بكافة تفاصيل العملية، منذ مرحلة التخطيط وحتى ساعة التنفيذ.
ثانيًا:
توجد معلومات لدى عدد من صناع القرار في أوروبا تؤكد سعي نتنياهو لتنفيذ عمل إرهابي كبير داخل إسرائيل في ذكرى السابع من أكتوبر. وتشير المعطيات إلى أن أجهزة الأمن الإسرائيلية اعتقلت بالفعل، منذ أكثر من عام، مجموعة من الفلسطينيين يُحتجزون في سجن سري لإلصاق التهمة بهم لاحقًا، بهدف كسب الرأي العام الأوروبي والأمريكي، وإعادة الرأي العام الإسرائيلي الداخلي إلى المربع الأول: يوم ما بعد السابع من أكتوبر 2023.
ثالثا:حملات تشويه:
يخطط نتنياهو، بمساعدة الموساد، لتدشين حملات تشويه تستهدف كل من يقف إلى جانب القضية الفلسطينية أو يتبنى حل الدولتين. وتشير المعلومات إلى أن الموساد يُعدّ ملفات حول الحياة الشخصية لكل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، لاستخدامها إعلاميًا في المرحلة المقبلة لابتزاز الرجلين ومهاجمتهما.
وفي الوقت نفسه، تُعِدّ إسرائيل حملة إعلامية عالمية ضخمة لاتهام قطر بدعم الإرهاب والإضرار بالسلم العالمي، للضغط عليها من أجل طرد قادة حركة حماس خارج أراضيها، بما يضيّق عليهم ويمنعهم من إيجاد أي ملاذات آمنة في الخارج.
الخلاصة:
ما جرى في الدوحة لم يكن ضربة عابرة، بل خطوة ضمن استراتيجية إسرائيلية شاملة تقوم على:
إنها محاولة لتوسيع دائرة الحرب، اعتمادًا على الدعم الأمريكي، لتشمل ساحات أخرى غير غزة ولبنان واليمن وقطر، في مواجهة مفتوحة تهدف إلى تحقيق حلم “إسرائيل الكبرى”.
فماذا نحن فاعلون؟!