مقالات وآراء

نزار بهلول يكتب: هناك شيء ما يحدث..

كان أمام العميد خياران: الحرب أو العار. فاختار العار وحصل على الحرب.

بلا أي أسف، دفع المحامون عميدهم حاتم المزيّو من الباب الصغير، في عطلة نهاية الأسبوع، لينتخبوا منذ الدور الأول بوبكر بن ثابت.

لقد كان عهد المزيّو من أكثر العهود خزياً في تاريخ المهنة، إذ لعب دور السجادة أمام نظام قيس سعيّد. كنّا نظن أنه لا يمكن أن يكون أسوأ من سلفه إبراهيم بودربالة، لكنه نجح في الحفر أعمق.

في عهده لم يتحقق تقريباً أي مكسب للمهنة.

لم يدافع فعلياً عن المحامين المسجونين، تعرّضت دار المحامي للانتهاك في فترة ولايته، وزعزع النظام القضائي برفضه إدماج القضاة المعزولين.

والأسوأ من ذلك أنه لوّث سمعة المهنة بقبوله رسوم تسجيل هؤلاء القضاة (أكثر من 800 ألف دينار دخلت إلى صندوق الهيئة) من دون أن يدمجهم. أي خسة هذه!

بانتخاب بوبكر بن ثابت، وجّه المحامون رسالة قوية للنظام: لم نعد نريد خدمكم، لم نعد نثق بكم، نختار المواجهة. والنتائج كانت واضحة: مرشح النظام هُزم شر هزيمة.

وقد أعلن بن ثابت منذ حملته، ومنذ انتخابه، أولوياته: إدماج القضاة المعزولين، الدفاع عن المحامين الموقوفين، واستقلال القضاء. كلها نقاط تستفز السلطة.

إدماج القضاة: رهان استراتيجي

قضية إدماج القضاة أساسية. فوجود قضاة خاضعين للأوامر مردّه إلى هشاشة وضعهم. إذا لم يطيعوا التعليمات ولم يصدروا أحكاماً تخدم النظام (كما في قضايا التآمر على أمن الدولة أو محاكمات سنية الدهماني، برهان بسيس وموراد زغيدي)، فإنهم يواجهون البطالة.

كغيرهم، لدى القضاة فواتير وواجبات مالية.

إذا خسروا مناصبهم، فلن يستطيعوا الإيفاء بالتزاماتهم. وكان الإدماج في مهنة المحاماة يمثل حلاً معقولاً: القاضي الذي يرفض الانصياع للضغوط كان بإمكانه أن يطمئن إلى وجود “خطة ب” تكفل له دخلاً يضمن العيش. غير أن حاتم المزيّو ألغى هذا الخيار، تاركاً العشرات من القضاة على الهامش.

رئيس مرتبك ومهدِّد

انتخابات المحامين أظهرت أن المشهد السياسي التونسي بدأ يتغيّر. فباستثناء منظمة الأعراف (الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة) التي تجاوز رئيسها ولايته ورفض إجراء انتخابات، أصبح بقية الحاصلين على جائزة نوبل للسلام في موقع الخصومة مع قيس سعيّد.

قبل أسبوعين كتبت في هذه الزاوية مقالة بعنوان: «هناك شيء يحدث».

الارتباك في قمة السلطة الذي لاحظناه آنذاك، تأكد مجدداً من الرئيس نفسه.

الجمعة الماضي، خلال اجتماع وزاري، استخدم رئيس الجمهورية خطاباً حربياً، وأحياناً لا يليق برئاسة الدولة. وكما فعل قبل أسبوعين، تحدث عن ظواهر «غير طبيعية» كُشف عنها الآن.

كما تطرّق إلى اللوبيات والخصوم قائلاً:
«وأولئك الذين كانوا يتظاهرون حديثاً بعداوة لا تُكسر، ظهر الآن وجههم الحقيقي وافتُضح فسادهم. فمنذ البداية كانوا قد وزعوا الأدوار فيما بينهم، وعلى عكس ما أظهروا، كانوا في الواقع حلفاء ورفقاء أوفياء.»

تكرار حديث الرئاسة عن «ظواهر غير طبيعية» ثلاث مرات في خمسة عشر يوماً لم يعد مجرد انطباع، بل هو إشارة: هناك شيء يحدث.

وقائع تتراكم

الواقع يؤكد هذه العصبية. يوم الأحد، علمنا أن ناشطاً في القضية الفلسطينية أُودع السجن. جريمته؟ أنه من نافذة سيارة رباعية الدفع أشار بسلاح بلاستيكي نحو شاحنة للشرطة. تصرّف طفولي. ومع أن الرجل بالغ، إلا أن فعله يبقى نزوة صبيانية.

لكن النظام لا يطيق المزاح، حتى السيء منه، فكان الرد فورياً: مداهمة، إيقاف، ثم إيداع بالسجن. إذا كان جهاز الدولة بكل ثقله يتحرك لمعاقبة نزوة طفولية، فهذا دليل على خوف وارتباك وقلق.

موضوع آخر في الأسبوع: الأسطول المنطلق من ميناء سيدي بوسعيد نحو غزة. جميع المشاركين فيه ناشطون متضامنون مع فلسطين، ومع ذلك تم التشهير بهم من أبواق النظام.

أحدهم وصفهم حتى بـ«السكارى». ورغم التعبئة الدولية الواسعة حول هذه المبادرة، التزمت السلطات التونسية الصمت.

قيس سعيّد الذي يقدّم نفسه نصيراً لفلسطين كان بإمكانه أن يتنقل، مثل آلاف التونسيين، إلى سيدي بوسعيد لدعم الأسطول.

كان ذلك على بُعد مئات الأمتار فقط من قصر قرطاج. لكنه لم يفعل، بل إن أذرعه الإعلامية عملت على تحقير المشاركين.

نظام محاصر

الأحداث الأخيرة كلها تتجه في اتجاه واحد: النظام يتعرض للهجوم من كل الجهات، حتى كأنه يستنجد بالرأي العام.

بين ضغط أعضاء في الكونغرس الأميركي الذين يطالبون بعقوبات، وتحركات المعارضة في الخارج، وملاحقة الأصوات المعارضة بالداخل، والأزمة مع الاتحاد العام للشغل، وصفعة المحامين، والإخفاق في الملف الفلسطيني، والتضخم وتدهور القدرة الشرائية… كل هذا كثير، أكثر من أن يتحمله نظام واحد.

السلطة التونسية اليوم مطوّقة من كل الجهات. السجون تمتلئ، لكن القصر يهتز. الاعتقالات الاستعراضية، المداهمات بسبب حركات صبيانية، والخطابات الحربية المكررة لا تكشف قوة، بل خوفاً.

من خلال تسمية «أعداء» (حقيقيين أو متخيلين)، يحاول قيس سعيّد إخفاء غياب الحلول. لكن كثرة الجبهات والانهيار الدبلوماسي يجعل هذه الإستراتيجية غير قابلة للاستمرار. الآلة القمعية تدور بأقصى طاقتها، لكنها لا تنتج سوى دلائل على الارتباك.

السلطة تستطيع أن تقمع، لكنها لم تعد قادرة على طمأنة الناس. وعندما يُخيف الدولةُ شعبَها أكثر مما يحكمه، فإن النهاية لا تعود فرضية: بل تصبح مساراً محتوماً.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى