مقالات وآراء

إسلام الغمري يكتب: قنبلة دخان أم انتصار حقيقي؟.. الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد طوفان الأقصى

مقدمة: سؤال يتصدر المشهد

هل الاعتراف بالدولة الفلسطينية الذي سارعت إليه بعض العواصم في الأسابيع الأخيرة يُعد انتصارًا حقيقيًا للشعب الفلسطيني؟ أم أنه مجرد قنبلة دخان أُطلقت بعد طوفان الأقصى لتهدئة الغضب الشعبي العالمي، وتجميل وجه الحكومات المتواطئة مع الاحتلال؟
هذا السؤال لم يأتِ من فراغ، فالمشهد يحمل مفارقة لافتة: عامان من الإبادة في غزة، وابتلاع الضفة بالاستيطان، ثم فجأة يتسابق العالم لإعلان الاعتراف! هنا يتضح أن طوفان الأقصى كان الزلزال الذي أجبر الجميع على التحرك، وجعل الاعترافات جزءًا من آثار هذا الحدث التاريخي.

آثار طوفان الأقصى: زلزال يغيّر المعادلات

لا يمكن قراءة الاعترافات بمعزل عن التغيرات الكبرى التي أحدثها طوفان الأقصى. فقد كشف هذا الحدث عن تحولات عميقة ما زالت تتفاعل حتى الآن:
1. اعتراف العالم بالدولة الفلسطينية: لأول مرة منذ عقود، تفرض المقاومة واقعًا يدفع الدول الغربية إلى الاعتراف، ولو شكليًا.
2. تفجّر الخلافات الصهيونية: انقسام داخلي وتناحر بين قادة الكيان وجيشه، ما يضعف قدرته على مواجهة الضغوط الخارجية.
3. تراجع صورة “إسرائيل” عالميًا: المجازر في غزة ولّدت ابتعادًا سياسيًا متزايدًا، ودفعت برلمانات ومنظمات إلى اتخاذ مواقف غير مسبوقة.
4. بداية فك الارتباط الشعبي مع الاحتلال: الجامعات والنقابات والمؤسسات المدنية حول العالم تقطع علاقاتها مع الكيان.
5. الهجرة العكسية: ما يقارب مليونًا من المستوطنين غادروا، في مؤشر على اهتزاز الثقة بالمستقبل الصهيوني.
6. تململ الشعوب العربية والإسلامية: الطوفان أخرج الجماهير من صمتها، وأعاد القضية إلى صدارة الوعي الجمعي.
7. سقوط الأقنعة عن الأنظمة: انكشفت الأنظمة المتخاذلة أو المتحالفة مع الاحتلال، وظهرت على حقيقتها أمام شعوبها.
8. تضحيات غير مسبوقة: الشعب الفلسطيني دفع أثمانًا باهظة بدمائه وصموده، ففرض نفسه على أجندة العالم.
9. تصاعد الفعل المقاوم: المقاومة انتقلت من غزة إلى الضفة والداخل المحتل، مؤكدة أن روح الطوفان مستمرة.
10. بعد إيماني متجدد: يرى المؤمنون في صمود غزة تجليًا لبشارات القرآن والسنة، واستشعارًا لمعية الله وكراماته.
11. اقتراب النهاية: الطوفان أطلق زلزالًا وجوديًا، وتقديرات عديدة تشير إلى أن الكيان لن يبقى مستقرًا بعد 2027.

الغرب والاعتراف: ما بين التبرير والتنفيس

حين نضع الاعترافات تحت المجهر، نرى أنها في جانب كبير منها محاولة لتخفيف الغضب الشعبي العارم، وتقديم تنازلات شكلية دون تغيير حقيقي في السياسات.
فأوروبا التي تعترف اليوم بالدولة الفلسطينية، هي نفسها التي تزود الاحتلال بالسلاح وتمنحه الغطاء الدبلوماسي. لذلك، يبدو الاعتراف أقرب إلى قنبلة دخان من كونه انتصارًا حقيقيًا.

الولايات المتحدة: العرّاب المانِع

أما واشنطن فما زالت متمسكة برفض أي اعتراف خارج إطار التفاوض، مع الترويج المستمر لوهم “حل الدولتين”. لكنها في الواقع هي أكبر داعم للاحتلال سياسيًا وعسكريًا.
طوفان الأقصى أظهر محدودية قدرة أميركا على التحكم المطلق في المشهد، لكنه أكد أيضًا أنها لا تزال العائق الأكبر أمام أي تحول حقيقي.

العرب: صمت وتواطؤ

العالم العربي انكشف هو الآخر. بعض الحكومات غاصت في التطبيع، وأخرى اكتفت ببيانات لفظية. أما الشعوب فقد وجدت في الطوفان فرصة لإحياء روحها، والعودة إلى الشارع للدفاع عن فلسطين.
الاعترافات الدولية لا تعفي الأنظمة العربية من مسؤولياتها، بل تُضاعف من عجزها أمام شعوبها التي باتت أكثر وعيًا بخذلانها.

“حل الدولتين”: سراب يُباع من جديد

الغرب يحاول استثمار الاعترافات لإحياء مشروع “حل الدولتين”. لكن الواقع على الأرض ينسفه من جذوره:
• الضفة محاصرة بالجدران والمستوطنات.
• القدس تُهوّد بلا توقف.
• غزة تتعرض لإبادة.
هكذا يتحول الحل إلى سراب سياسي، يستخدم كأداة لتصفية القضية بدلًا من حلّها. لكن طوفان الأقصى أكد أن الفلسطينيين لن يقبلوا دولة بلا سيادة ولا حدود بلا قدس ولا حقوق بلا عودة.

التأثيرات الإقليمية والدولية

تركيا

رحبت تركيا بموجة الاعترافات، لكنها تدرك أنها بلا قيمة إذا لم تُترجم إلى إجراءات توقف العدوان. الطوفان منح أنقرة فرصة لتعزيز خطابها السياسي، وكسب مكانة أكبر في وجدان الشعوب.

إيران

رأت في الاعترافات ورقة سياسية لإحراج الغرب، لكنها لم تبنِ عليها آمالًا حقيقية. فهي تعرف أنها مجرد انعكاس للزلزال الذي أحدثه الطوفان.

الخليج

بعض دول الخليج تواجه مأزقًا، إذ تبدو الاعترافات الغربية متناقضة مع مسار التطبيع الذي سلكته. هذا يضعها في حرج أمام شعوبها التي لا تزال ترى في فلسطين قضيتها المركزية.

أوروبا

الاعترافات الأوروبية جاءت نتيجة ضغط شعبي متصاعد، من الجامعات إلى النقابات والبرلمانات. الحكومات لم تتحرك بدافع المبدأ، بل استجابة لموجة غضب عارمة فجّرها الطوفان.

الواجب على الأمة

أمام هذا المشهد، لا يكفي الترحيب الرمزي أو الاكتفاء بالانتظار.
• الشعوب: مطالبة بكسر الصمت، والحفاظ على زخم الضغط الشعبي والإعلامي والسياسي.
• الحكومات: مطالبة بترجمة الأقوال إلى أفعال: وقف التطبيع، وفرض العقوبات، ودعم المقاومة سياسيًا واقتصاديًا.
• الجيوش: مطالبة باستعادة دورها التاريخي في حماية الأمن القومي. فلسطين ليست قضية عاطفية، بل خط الدفاع الأول عن الأمة. وكل جريمة ترتكب في غزة أو الضفة إنما تعني أن الخطر يقترب من عواصمنا جميعًا.

خاتمة: بين الوهم والحقيقة

في ضوء ما سبق، يمكن القول إن الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية هي في جانب منها أثر من آثار طوفان الأقصى، لكنها في جانب آخر مجرد قنبلة دخان لا تغيّر من واقع الاحتلال شيئًا.
الانتصار الحقيقي لن يتحقق بورقة اعتراف أو بيان سياسي، بل بالفعل على الأرض: بوقف العدوان، وإنهاء الحصار، وتفكيك المستوطنات، وضمان حق العودة والسيادة الكاملة.
أما طوفان الأقصى فقد فتح صفحة جديدة من التاريخ، وأطلق زلزالًا وجوديًا يقترب بالكيان من نهايته. ويبقى السؤال: هل ستغتنم الأمة هذه اللحظة لتتحرك، أم ستبقى متفرجة حتى يفوت الأوان؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى