
إنه الدكتور/ وسيم السيسي، الطبيب الذي هجر مشرط الجراحة ليحمل مشرط الفكر، ويغوص في لجج الحضارة المصرية القديمة، باحثاً عن كنوزها المطمورة، ومصباحها المطموس.
هو طبيب في الجسد، لكنه فقيه في الروح، ضليع في علم المصريات، متبحر في أسرارها، حتى غدا مرجعا نادراً لا يجارى.
كان من أوائل من تصدوا لأسطورة (تعدد الآلهة) عند المصريين، فأثبت بالعلم والبرهان أن المصريين الأوائل كانوا موحدين بالفطرة، وأن عقيدتهم لم تكن وثنية كما زُعم، بل كانوا يرون في الكثرة تجليات لوحدانية عظمى، كما يرى العارف بالله تنوع الأسماء والصفات في حضرة الواحد الأحد.
لقد صحح للرأي العام صورة شوهها الغزاة، وزيفها المستشرقون، وكرسها الجهل.
كيف لرجل بمثل هذا العلم أن تهمل مؤلفاته في كليات الآثار، ولا تكون مقرراً لطلابها.
وكيف لندواته أن تبقى حبيسة القاعات، بينما آثار مصر تجوب الدنيا بلا حارس أمين يشرحها للعالم.
أفلا يكون جديراً أن يُنصب سفيراً للحضارة التي صنعت التاريخ، وصاغت أعظم الشرائع والفنون.
لقد كان (وسيم السيسي) مدرسة قائمة بذاتها، لا يجلس إليه أحد إلا وانجذب لعلمه كالمغناطيس، وذاب في نوره كما يذوب الفراش في ضوء السراج، يلتقط من ركام التاريخ جواهر مطمورة، ويصوغها قلائد من الحكمة، تزين أعناق الأجيال.
ورغم عطائه، انصرفت عنه الدولة، كما انصرفت عبر القرون عن كنوزها المدفونة في الرمال، تنفق الأموال على التفاهة، والعبث، وتصفق للأراجوزات باسم الفن، وتُهمل عقلاً يزن أمة.
أفما آن لمصر أن تدرك أن من لا يُقدِر علماءه يُقَدر عليه أن يظل في ذيل الأمم ؟!.
إن (وسيم السيسي) نوراً يبدد ظلمات التحريف، وحائط صد منيعاً أمام محاولات تشويه تاريخ مصر القديم، إنه المدافع الأول عن حضارة أنارت الدنيا، وما تزال تشع على العقول رغم ما حاق بها من ظلم أبنائها قبل أعدائها.
إنه وحيد عصره، الملم بأهم بواطن الحضارة، ومواطن قوة الفراعنة، لا بديل له سواء في مصر أو خارجها.
يا أهل مصر: إن هذا الرجل يستحق أن يُقام له كرسي في جامعاتكم، وأن يلقب بالأستاذ بين الجميع في هذا الشأن، وجدير بأن نتخذهُ قدوة في البحث والتأصيل.
إنه ليس مجرد مؤرخ، بل حامل شعلة الماضي إلى حاضر تائه، ومنقذ حضارة من براثن النسيان.
فمن لا ماضي له لا حاضر له، ومن لا حاضر له لا مستقبل له.
إن (وسيم السيسي) اسم سيظل باقياً، حتى لو أهملته دولة، واعلموا : أن الأمم لا تخلد إلا بعلمائها، وأن الخلود لا يشترى بذهب ولا يوزن بسلطان، وعلى الله قصد السبيل.