مقالات وآراء

مصباح العلي يكتب : الانتخابات النيابية 2026… حتمية مفروضة لا خيار داخلي

بينما يتحدث السياسيون في العلن عن استحقاق انتخابي حتمي في ربيع 2026، تكشف الكواليس السياسية عن صورة أكثر تعقيدًا. فالانتخابات تبدو أقرب إلى موعد مفروض من الخارج، منها إلى خيار ينبع من إرادة داخلية.

قوى التغيير التي شكلت مفاجأة انتخابات 2022 تبدو اليوم مهددة بخسارة ما حققته. الانقسامات، غياب التنسيق، وتراجع الحضور الشعبي، كلها عوامل تُضعف قدرتها على مواجهة ماكينة السلطة. في المقابل، يعيش حزب الله قلقًا واضحًا من احتمال تسجيل خروقات في بيئته، إلى جانب هاجس الحفاظ على موقع الرئاسة الثانية إذا تبدلت التوازنات. أما جبران باسيل وسمير جعجع، فهما يتعاملان مع انتخابات 2026 كاستراحة على طريق استحقاق أكبر هو رئاسة الجمهورية عام 2031.

في الإقليم، السعودية تعتمد سياسة “الوقت الطويل”، تراهن على مراكمة الضغط بانتظار لحظة مناسبة لطرح مسألة سلاح حزب الله من موقع أقوى. غير أن المشهد اللبناني لا يُقرأ بمعزل عن موازين القوى الدولية. هنا يظهر الإصرار الأميركي على إجراء الانتخابات في موعدها، ليس بدافع الحرص على الديمقراطية اللبنانية، بل لأن الاستحقاق جزء من ترتيبات إقليمية أوسع تشمل سوريا وغزة، وتدخل في أولويات واشنطن الخارجية التي تتمحور حول الصين وأوكرانيا أكثر مما تتمحور حول بيروت.

بهذا المعنى، لبنان ليس أولوية بحد ذاته، بل تفصيل صغير في لعبة كبرى. والاعتقاد بأن العالم يتابع تفاصيل الساحة اللبنانية بوصفها مركز الأحداث لم يعد مقنعًا. القرار الداخلي بات محكومًا بتقاطعات إقليمية ودولية، حيث تتحكم إيران والسعودية وتركيا وإسرائيل في رسم مساراته.

لكن، هل يمكن أن تغيّر الانتخابات المقبلة شيئًا في هذا الواقع؟ الأرجح لا. القانون الانتخابي الطائفي ما زال قائمًا، المال السياسي حاضر بقوة، الزعامات التقليدية تمسك بالمشهد، وقوى التغيير مشتتة وعاجزة عن تشكيل بديل منظم. النتيجة شبه محسومة: انتخابات ستُجرى، لكنها لن تفتح أفقًا جديدًا.

مع ذلك، يظل السؤال قائمًا: كيف نتعامل مع استحقاق محكوم سلفًا؟ هل يكون الخيار بالمقاطعة وترك الساحة للمنظومة، أم بالمشاركة رغم القيود لمحاولة تعديل المشهد من الداخل؟ أم أن النقاش الأعمق يجب أن يذهب نحو تغيير قواعد اللعبة نفسها قبل التفكير بتغيير اللاعبين؟

قد لا تحمل انتخابات 2026 أجوبة شافية، لكنها تضع اللبنانيين أمام مرآة صعبة: استحقاقات تُفرض من الخارج، ومعارك داخلية تُخاض بلا أمل كبير في التغيير. ومع ذلك، تبقى المواجهة مع هذا الواقع مسؤولية وطنية لا يمكن القفز فوقها.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى