
كثيرة هي مشكلات الشباب في مصر. ولأن المجتمع المصري شرائحه العمرية متباينة كميا لصالح الشباب- وفقا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء- تتعدد وتتكاثف مشكلات الشباب الاقتصادية كالبطالة، والاجتماعية كتأخر سن الزواج، والسياسية كالتعاطي والتفاعل مع الأحزاب والقوى السياسية والمجتمع المدني.
واحد من أبرز المشكلات السياسية المرتبطة بهذا التعاطي والتفاعل، هو مشاركة الشباب في الانتخابات، من زاويتي الترشيح والاقتراع على حد سواء.
هل كوتة الانتخابات سبيل لحل مشكلة الشباب سياسيا؟
ولأن الفئات المجهضة والمهضومة الحقوق في المجتمعات تُعالج أوضاعها عبر نظام الحصة أو الكوتة في البرلمانات، فقد درجت عديد المؤسسات التشريعية على وضع كوتة للمرأة كتمييز إيجابي لفئة مُعتبرة، تُشكل نصف المجتمعات كيفا وربما كما. من هنا، كانت مصر قد وضعت نظاما للكوتة، لكن هذا النظام لم يطل الشباب في عضوية البرلمان، كما فعل السودان في وقت من الأوقات. إذ أن العمال والفلاحين وبسبب هوية النظام السياسية الاشتراكية، قد اعتبروا من المجهض حقوقهم، فخُصص لهم نصف المقاعد على الأقل منذ العام 1964، كما خُصص للمراة كوتة (مقاعد أو تمثيل) في برلمانات 1979 و1984 و2010، ووضعت لها كوتة (ترشيح وليس تمثيل) في برلمان 2011. الشباب على العكس من كل هؤلاء، ظل بعيدا عن تلك القائمة من الكوتات، إلى أن جاء قانون الانتخاب عام 2014، والذي جرت على ضوئه انتخابات 15/ 2016، وتعديل قانون انتخاب ذات المجلس في انتخابات 20/ 2021، الذي أحدث تغييرا على نظام الكوتات، وجميعها كوتات تمثيل.
الأحزاب أولى من البرلمان لتمثيل الشباب
ولأن التعديل الذي جرى على دستور 2012 قد تم عام 2014، قد سعى إلى التمايز عن دستور الإخوان المسلمين المقر عام 2012، وسعى لجذب الملايين للموافقة عليه، في وقت كان استقرار الدولة المصرية فيه على المحك، فقد خاب الشارع الدستوري خيبة لم يخبها من قبل، بأن وضع ست كوتات جملة واحدة في عضوية مجلس النواب، في سابقة هي الأولى عالميا، أن يُخصص بالبرلمان ستة كوتات مرة واحدة. بتلك الكوتات تحول المجلس السياسي المفترض، أن تمثل فيه الأحزاب السياسية والأيديولوجيات المتباينة، إلى مجلس اجتماعي، يهدف إلى تمييز فئات بعينها من التهميش الاجتماعي، ولعله نجح في ذلك.
فالأحزاب السياسية وحدها هي من يُفترض أن تصهر كل مكونات المجتمع النوعية (رجال/ نساء) والدينية (مسلم/ مسيحي) والعمرية (شباب/ كبار السن) والصحية (الأصحاء/ ذوو الهمم) والمكانية (المقيمون في الداخل والخارج) والحضرية (الحضر/ البدو) والمهنية (الفئات/العمال والفلاحون). لكن ما حدث هو أن الأحزاب السياسية المصرية أمعنت في التشرذم، وجلب الأقارب، ما أسفر مع عوامل أخرى إلى تنفير الناس من العضوية فيها، وعدم تمثيلها للشارع. صحيح أن الأحزاب المصرية في مجملها تتسم بالضعف، وأن السلطة مسئولة عن جزء مُعتبر من مشاكلها، لكنها بالمقابل هي من يتحمل أن تكون وعاء لفكر واحد، يؤمن به الكافة بالحزب المعني على اختلاف مشاربهم الاجتماعية، وضمنها الخلافات العُمرية.
ترشيح الشباب للبرلمان مُقيد كأمر واقع
يُوجب قانون مجلس النواب الحالي تمثيل 16 شابا في المجلس المؤلف من 568 منتخبا، ويشترط سن ما بين 25 إلى 35 عاما للترشح لهذه المقاعد في القوائم المطلقة التي يتشكل منها نصف عدد المنتخبين، معتمدا يوم فتح باب الترشح كبداية ونهاية لهذا الحد العُمري. ويُتاح للشباب الترشح بحرية على المقاعد الفردية البالغ عددها النصف الثاني من عدد المنتخبين. جدير بالذكر، أنه عقب أحداث يناير 2011 نزلت قوانين الترشح بسن الناخب من 30 إلى 25 عاما. لكن رغم كل ذلك، فإن الناظر والمراقب للفائزين في الانتخاب اليوم، يلاحظ أن عدد الشباب الممثلين في المجلس كان محدودا، فيما فوق الحد الأدنى البالغ 16 ممثلا عنهم (مرشحو القائمة المطلقة الفائزة). ويرجع ذلك لما يلي: –
– قصور الأحزاب في ترشيحهم للشباب خارج القوائم المطلقة، لعدم ثقة هؤلاء فيهم، معتمدين على الخبرة (أي كبار السن) كمعيار من معايير الاختيار، ربما باستثناء عدد محدود من الأحزاب التي تلت نشأتها حركة 25 يناير، كالعدل والدستور والمحافظين والكرامة والمصري الديمقراطي الاجتماعي، ما يؤدي تلقائيًا إلى عدم حصول مرشحي الأحزاب من الشباب على الأصوات الكفيلة بتمثيلهم في مجلس النواب، ومن ثم خسارتهم وخسارة الشباب للانتخابات على السواء.
– زيادة تكلفة الدعاية الانتخابية، إذ تشكل الانتخابات في أي مجتمع في الوقت الراهن معضلة للمترشحين، بسبب زيادة الإنفاق الانتخابي، ومع تطور عالم الدعاية الانتخابية، يصبح (غالبا) المرشح غير القادر على مسايرة هذا التطور، خاسرا، مقارنة بغيره ممن هو أكثر قدرة على تحمل نفقات الدعاية. ومما لا شك فيه، أن الشباب هم الأقل قدرة من غيرهم على خوض غمار الانتخابات؛ بسبب الإنفاق، ولذلك، كان هناك عزوف تلقائي من بعضهم عن الترشح، وتجاوز الناخبين لبعض من ترشح منهم؛ بسبب الإنفاق الانتخابي الشره على الدعاية الانتخابية.
– يعتبر اتساع الدوائر الانتخابية قيدًا كبيرًا على الشباب في خوض الانتخابات. فمصر مقسمة إلى 143 دائرة انتخابية على أساس النظام الفردي، مما يجعل حجم الدائرة الانتخابية كبيرا للغالية، هنا يشار على سبيل المثال، أن محافظة مثل السويس هي عبارة عن دائرة واحدة، وكل من الوادي الجديد وشمال سيناء وجنوب سيناء عبارة عن دائرتين لكل منهم، والبحر الأحمر ثلاث دوائر. وبطبيعة الحال، فإن تلك المشكلة تتفاقم مع قلة الوقت المخصص للدعاية الانتخابية.
مشكلات اقتصادية واجتماعية تدعم عزوف الشباب عن الاقتراع
ولأن الشباب هم القوى الضاربة في عملية الاقتراع، فقد ظلوا بعيدين كل البعد عن المشاركة في الانتخابات، رغم كل إغراءات السلطة للمشاركة في عملية التصويت (نظام الكوتة). لذلك سحبت السلطة مؤخرا رهانها على الشباب، وأمعنت في مغازلة النساء وكبار السن بعد 30 يونيو 2013.
في انتخابات مجلس النواب 2011، وانتخابات الرئاسة 2012، والاستفتاء على الدستور المؤقت 2011 ودستور 2012، كانت نسبة مشاركة الشباب في الاقتراع كبيرة ومرتفعة، مقارنة بما سبقتها أو تلتها من اقتراعات مشابهة. لقد كان الناس إجمالا، ومنهم الشباب، لديهم أمل في تلك الفترة لتحسين الأوضاع، فشاركوا بقوة، خاصة عندما شعروا، بأن فرز الأصوات ونتائج الانتخابات هي رد فعل طبيعي وصحيح لتصويتهم.
تدني نسبة المشاركة قبل وبعد تلك الاقتراعات، مرده لضعف تصويت الشباب البالغ ثلثي القوى الناخبة، والممثلة في قاعدة بيانات الناخبين. لا شك، أن تلك النسبة زاد ضعف مشاركتها في الوقت الراهن مقارنة بأي فترة سابقة.
زيادة البطالة بين الشباب، وارتفاع الأسعار والتضخم الكبير، وتدني سعر العملة المحلية، وغلاء المعيشة، وتأخر سن الزواج؛ بسبب كل ما ذكر آنفا. كل تلك الأمور وغيرها من أمور ذات طابع اقتصادي وطابع اجتماعي، أسفرت عن عزوف الشباب عن المشاركة في الاقتراع، خاصة وأنهم رأوا بأم أعينهم، أن كثرة الاقتراعات التي تلت أحداث 30 يونيو 2013، لم تعد تسفر عن نجاح اقتصادي أو اجتماعي ملحوظ، بل ربما العكس هو الصحيح.
غلق المجال العام يمنع الشباب من الاقتراع
وبالانتقال إلى المشكلات السياسية، وحال المجال العام في مصر، تُكتمل حلقة ضعف المشاركة في الاقتراع. فرؤية هؤلاء للنظام الحزبي المترهل؛ بسبب حال الأحزاب من الداخل، وهيمنة السلطة عليها، توجز الكثير من الحديث عن تفسير عزوف الشباب. كما أن رؤية الشباب لحال النظام الانتخابي المزور لإرادة الناخبين؛ بسبب أسلوب القوائم المطلقة التي ترحل الـ49% من أصوات المقترعين للقائمة الحاصلة على51% من الأصوات، تُكمل هذا التفسير. إضافة إلى ذلك، فإن إدخال مئات الشباب غيابات السجون، بسبب قضايا الرأي الناتجة عادة عن الكتابة على شبكات التواصل الاجتماعي، واتهامهم زورا وبهتانا بالاتهام الآلي “الانضمام لجماعة إرهابية”، ما أسفر عن حبسهم احتياطيا أو توقيع عقوبات عليهم، تولد إحباطا من المشاركة عامة والذهاب لصناديق الاقتراع خاصة. من ناحية أخرى، يفسر عزوف تصويت الشباب برؤيته لعدم الشفافية في إعلان نتائج الانتخابات، والتي كان آخرها عدم إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات لنتائج انتخابات الرئاسة 2024 على مستوى اللجان العامة، والتي بها تفسر لهم كيف نزل 44 مليون ناخب للتصويت في ساعات قليلة للتصويت، وقبلها بأيام محاربة البلطجية لآلاف الشباب، وغيرهم عند القيام بعمل توكيلات لشخصيات معارضة في ذات الانتخابات. ورؤيتهم بعد عدة أشهر لانتخابات مجلس الشيوخ 2025 التي نافست فيها أحزاب السلطة نفسها، وأخيرا وليس آخرا، رؤية هؤلاء الشباب لمقاعد مجلس النواب القادم، وهي تباع على الهواء بملايين الجنيهات، ولمن يدفع أكثر لهذا الحزب أو ذاك، بُغية اختيار سلطة تشريعية، بدأ تشكيلها بالتزوير والتدليس، فماذا ينتظر من مخرجاتها؟!!!
وهكذا يتبين أن المشاركة السياسية للشباب عامة والانتخابية خاصة، هي أمر يرتبط بحال وظروف المجتمع، فكلما تحسنت تلك الظروف والأوضاع، كلما ساهم ذلك في زيادة المشاركة. ولا شك، أن الشباب لكونهم عماد أي تنمية في المجتمع، يُعد مشاركتهم في الشأن العام أمرا غاية في الأهمية، ومن ثم يتحتم المزيد من الاهتمام بهم.
المصدر: مصر ٣٦٠