
هذا سؤال مهم وجوْهري، وليس هناك جواب قطعي واحد — لكن يمكن تحليل الوضع بناءً على ما نراه من ممارسات تاريخية ومعطيات راهنة في المغرب، وما يقوله الخبراء والمراقبون. سأعرض بعض الإشارات التي تدعم فكرة “إعادة تدوير السلطة” وأخرى التي تشير إلى وجود تغيّرات حقيقية أو ضغوط للتغيير، ثم أضع رأياً مستخلصًا.
أولا: معطيات تدعم فكرة “إعادة تدوير السلطة / التدوير النخبوي”
1- منهج المكننة والتوافقات القصر – النخب التقليدية
كثير من التحليلات تشير إلى أن النظام المغربي يعتمد على co-optation أي “استيعاب النخب” أو التدوير بينها، بحيث لا يُسمح بظهور طبقة سياسية مستقلة وقوية خارج شبكة القصر (المخزن).
فبدل أن يُسمَح بتجديد جذري، تُدار تغييرات شكلية أو تبديل في أشخاص من الداخل، ليس تغييرا في البنية أو الحوكمة.
2- هيمنة الأحزاب الموالية للقصر وتراجع المعارضة القوية
التقرير السنوي لمشروع BTI لعام 2024 يشير إلى أن صعود الأحزاب الموالية للقصر ونقص المعارضة السياسية القوية قد ضاقا المشهد السياسي، مما يعزز سيطرة القصر على التوجهات السياسية العامة.
كما أن حزب “الأصالة والمعاصرة” يُنظر إليه كحزب قريب من القصر، وقد استُحدث ليلعب دورًا في هذا الفضاء السياسي المنضبط.
3- التعديل الدستوري في 2011 وتقييد الصلاحيات عمليًا
بعد احتجاجات “20 فبراير” عام 2011، أجريت إصلاحات دستورية لتبدو البلاد أكثر ديمقراطية، إلا أن المراقبين يقولون إن الكثير من الصلاحيات الحقيقية ما زالت في يد الملك، أو تُمارَس من خلال مؤسسات تابعة له.
فمثلاً، الدستور يعطي دورًا للبرلمان ورئيس الحكومة، لكن في الممارسة تبقى الخطوط الكبرى تُرسَم من القصر أو مؤسسات الدولة العميقة.
4- أزمات الخدمات والانفصال بين النمو والتنمية الموزعة.
كثير من الاحتجاجات الراهنة (مثل احتجاجات “جيل زد 212”) تدور حول مطالب متعلقة بالصحة، التعليم، البطالة، البنية التحتية.
هذا يشير إلى أن الغضب الشعبي ينبع من إخفاقات ملموسة في الأداء الحكومي، وليس فقط صراع سياسي نظري.
ثانيا: معطيات تشير إلى أن الأمر ليس مجرد “إعادة تدوير” بالكامل، بل إلى ضغط للتغيير أو تفجر الأزمات
1- النقمة الشعبية المتزايدة والاحتجاجات الشبابية.
الاحتجاج الأخير الذي قاده شباب تحت اسم “جيل زد 212” في عدة مدن يعكس أن الجماهير لم تعد مقتنعة بالحلول التقليدية أو الأطراف السياسية القائمة، وأن هناك رغبة في تحرك مستقل جديد.
هذا قد يكون مؤشرًا على أن إعادة تدوير السلطة وصلت إلى مرحلة صعوبة في امتصاص الغضب الشعبي.
2- فتح ملفات الفساد وضغوط على الشفافية.
هناك تحرّكات علنية لفتح ملفات فساد تخص مسؤولين من أحزاب مختلفة، ورد فعل شعبي يطالب بالمحاسبة.
وجود هذا الضغط يعني أن هناك مساحة – حتى لو صغيرة – لطلب إصلاحات حقيقية.
3- حالة الأزمة في الحكم وتدخلات داخلية.
مقال من مركز كارنيغي يتحدث عن “أزمة الحكم في المغرب” ويقول إنه في غياب الملك الطويل عن المشهد اليومي، تصبح السلطة بين أيدي “التحالف الأمني” (مؤسسات الأمن والدولة العميقة) مما يثير قلقًا حول التوازنات الداخلية.
هذا النوع من الأزمات قد يجعل النظام مضطرًا لتعديلات أو تغيير في بعض الوجوه.
4- تجارب سابقة لانسحاب أو تراجع أحزاب مهمة.
مثلاً، حزب العدالة والتنمية – الذي كان أحد أهم الأحزاب الإسلامية في المغرب – شهد هزيمة كبيرة في الانتخابات وعزوفًا كبيرًا، وهو حادث يُنظر إليه على أنه ليس فقط فشل داخلي، بل تحول في قواعد اللعبة السياسية.
ثالثا: رأي تحليلي: مزيج من التدوير مع ضغوط للتغيير.
بناء على المعطيات:
نعم، هناك عناصر قوية من إعادة تدوير السلطة: استيعاب النخب، استبدال الوجوه بدل تغيير القواعد، سيطرة القصر على الخطوط الكبرى، ضعف المعارضة المستقلة، إلخ.
لكن في المقابل، يبدو أن الضغط الشعبي بات قويًا، والاحتجاجات الشبابية حديثة تؤشر إلى نُفَس جديد ورغبة في الخروج من الدوائر التقليدية.
لذا، ما يحدث هو على الأرجح تحول مضطرب داخل النظام القائم: ليس تغييرًا جذريًّا يطيح بالنظام، بل محاولة تعديل وتحسين من الداخل، ربما استبدال وجوه قديمة بأخرى “مقبولة” أو أكثر ملاءمة لرغبة الشارع.
بعبارة أخرى: قد لا يكون هناك انقلاب على المنطق السياسي القائم، لكن هناك مخاطر أن النظام يُجبر على التكيف أو الاستجابة أكثر مما كان يفعل سابقًا.