مقالات وآراء

عثمان لحياني يكتب: ورقة إنقاذ.. خطة ترامب بين مأزق نتنياهو وكابوس الفلسطينيين

شخصية مثل وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، مهمة في المشهد، لأنها تعبر عن حقيقة العقل الإسرائيلي الذي لا يتعاطى بدبلوماسية مع الوقائع، ويكشف بوضوح الاتجاهات العميقة لإسرائيل وأوراقها دون مواربة.

سموتريتش وضع تعريفاً لخطة السلام في غزة التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأنها “فشل دبلوماسي مدوّ… سينتهي الأمر أيضاً بالدموع، سيُجبر أطفالنا على القتال في غزة مرة أخرى”.
يرى سموتريتش المستقبل هكذا، نبوءة الكابوس الفلسطيني الذي لا ينتهي.

فشل عسكري ومخرج سياسي

خطة ترامب تعني فشل إسرائيل ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو في تحقيق أي منجز على أرض غزة، وعجزه عن فرض شروط الاحتلال المتعلقة بالتهجير واستعادة المحتجزين وتفكيك المقاومة وتغيير هيئة الحكم في غزة بالقوة.

وبهذا المعنى تتحول الخطة إلى تصور جديد ينقذ إسرائيل وينتشل نتنياهو من قاع الفشل، وتوفر له مخرجاً في ظل مأزق يضيق تدريجياً على عنق المشروع الإسرائيلي.

في الغالب تأتي إسرائيل إلى أهدافها من المنفذ السياسي في حال لم ينجح الحل العسكري. وأكثر من عبّر عن هذا نتنياهو نفسه، الذي شعر فعلياً بالعزلة التي تطوّق عنقه وعنق إسرائيل سياسياً وشعبياً في العالم، لذلك قال:
“بدلاً من أن تعزلنا حماس، قلبنا الأمور وعزلنا حماس والآن يضغط العالم أجمع، بما في ذلك العالم العربي والإسلامي، على حماس”.

أزمة أمنية لا حل سياسي

تظهر الورقة الأميركية تصوراً لإدارة أزمة أمنية فحسب، أكثر منها خطة لحل قضية سياسية. فهي لا تتضمن تصوراً واضحاً لتنفيذ حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية.

بل إن نتنياهو يصف قيام دولة فلسطينية بأنه “مكافأة هائلة للإرهاب”.
هذا التنصل يمثل النقطة التي ستفجّر الورقة.

وسواء كان الفلسطينيون يملكون هامش مناورة أم لا، فإنه يتعين عليهم تجنب الخطأ نفسه الذي ارتكب في أوسلو عندما أقروا بحق دولة إسرائيل في الوجود، من دون أن يحصلوا بالمقابل على إقرار مماثل بقيام دولة فلسطينية.

اكتفت إسرائيل – أقل من الاعتراف – بـ”سلطة فلسطينية” فحسب، كان من السهل تحويلها إلى سلطة تنسيق أمني، وتهميشها وإضعاف وجودها.

رفع الحجرة على رأس الفلسطينيين

رفع ترامب الحجرة من على رأس نتنياهو، ووضعها على رأس الفلسطينيين. لقد قام بحركة متذاكية لقلب الوقائع.

في الغالب كانت كثير من أوراق ترامب تتبعثر قبل أن تبدأ. فمنذ أشهر طرح تصورات كثيرة حول غزة، وانتقل من ورقة إلى أخرى، بدأها بفكرة التهجير.

الورقة التي يطرحها اليوم في محاولة لتصفية القضية الفلسطينية لا تخلو من ملامح تهجير طوعي للفلسطينيين. بل إنها تحقق لنتنياهو كل ما يريد:

  • استعادة المحتجزين.
  • تفكيك المقاومة.
  • تغيير الحكم في غزة.
  • وجود آمن لإسرائيل.
  • إعادة إطلاق مسار التطبيع.

والدول العربية والإسلامية التي وافقت على خطة ترامب ستتحمل عبئاً ومسؤولية تاريخية في حال اتجهت الأمور إلى هذا المنحى.

أفق مسدود وخطر “المندوب السامي”

سواء قبلت فصائل المقاومة الخطة أم رفضتها، تحت كل الضغوط، فإن حقائق الواقع الفلسطيني لن تتغير طالما ليس هناك أفق سياسي واضح المعالم يؤدي إلى دولة فلسطينية.

أما استدعاء “مندوب سامٍ” لحكم غزة، فليس ببعيد. فقد كان هناك مندوب سامٍ – بول بريمر – يحكم العراق بعد احتلاله عام 2003.

وهذا يعني بدءاً فعلياً برسم خرائط جديدة في المنطقة، قد لا تُعفى منها دول أخرى في المراحل المقبلة.
فالتاريخ يعيد نفسه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى