عامان من الإبادة.. أطفال غزة بين أنياب الجوع والمرض

بعد مرور عامين على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تتواصل المأساة الإنسانية بأبشع صورها، حيث يموت الأطفال جوعًا ومرضًا تحت الحصار، بينما تُظهر القصص اليومية حجم الكارثة التي خلّفتها سياسة التجويع الإسرائيلية الممنهجة.
وفي تقرير ميداني يرصد حجم الكارثة، كشف مراسلنا عن معاناة مئات الأطفال الذين أصبحوا وجوهًا لواحدة من أكبر المآسي الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
جوع يفتك بالأطفال
يوماً بعد يوم، يشتدّ الحصار الإسرائيلي الجائر على قطاع غزة، بمنع دخول الغذاء والدواء وإغلاق المعابر منذ مارس/آذار الماضي، في وقت تتكدس فيه شاحنات الإغاثة على الحدود دون السماح بدخولها.
خلال عامين من الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بدعم أمريكي، لم تقتصر المأساة على ضحايا القصف المباشر، بل امتدت إلى ضحايا التجويع وسوء التغذية، حيث توفي 460 فلسطينيًا بينهم 154 طفلًا وفق بيانات رسمية.
وفي 22 أغسطس/ آب 2025، أعلنت المبادرة العالمية للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) حالة المجاعة رسميًا في مدينة غزة، محذرة من امتدادها إلى دير البلح وخان يونس.
وتضم المبادرة 21 منظمة دولية، أبرزها:
منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، برنامج الأغذية العالمي (WFP)، يونيسف، الصحة العالمية (WHO)، وأوكسفام، وأنقذوا الأطفال (Save The Children).
محمد.. جسد يستجدي الحليب
الطفل محمد المطوق (عام ونصف) يعيش في خيمة نزوح غرب غزة بجسدٍ هزيل لا يتجاوز وزنه 6 كيلوغرامات بعد أن فقد ثلث وزنه بسبب سوء التغذية.
لم تجد والدته ما تُطعمه سوى الماء، بعد نفاد الحليب، فيما باتت صورته رمزًا عالميًا لمأساة أطفال غزة الذين يتضورون جوعًا.
ويحذر الأطباء من أن استمرار إغلاق المعابر سيؤدي إلى انهيار تام في الوضع الصحي والتغذوي للأطفال في القطاع.
كريم.. أنفاس على أنبوب أكسجين
الطفل كريم معمر (3 أعوام) يزن 7 كيلوغرامات فقط، ويتنفس بصعوبة خلف أنبوب أكسجين داخل مستشفى ميداني في غزة.
يعاني كريم من متلازمة فانكوني الوراثية، وهي حالة كلوية نادرة، لكن الحصار الإسرائيلي ونقص العلاج والمكملات الغذائية ضاعفا معاناته، ليصبح شاهدًا حيًا على جريمة التجويع.
ويؤكد الأطباء أن حالته تتفاقم بسبب نقص الغذاء والدواء، ما يهدد حياته في أي لحظة.
أسامة.. هيكل عظمي على سرير
الطفل أسامة الرقب (4 أعوام) تحوّل إلى ما يشبه الهيكل العظمي بعد أن تراجع وزنه إلى 9 كيلوغرامات فقط، بينما كان يفترض ألا يقل عن 16 كيلوغرامًا.
ظهر جسده الهزيل في مقطع مصوّر أثار صدمة عالمية، ليجسد الوجه الإنساني للمجاعة في غزة.
ويقول الأطباء إن أسامة “يمثل جيلًا كاملًا من الأطفال الذين يذوبون ببطء بين أنياب الحصار”.
مسك.. صمت موجع
الطفلة مسك المدهون (6 أعوام) من مدينة غزة تعجز عن الكلام أو الجلوس، بعدما تفاقم الضمور الدماغي الذي تعانيه بسبب سوء التغذية والمجاعة.
عظامها الهشة وجسدها الضعيف أصبحا رمزًا لمعاناة الطفولة الفلسطينية تحت الحصار.
ضحايا الجوع يوماً بعد آخر
فيما يلي نماذج من وفيات التجويع التي وثقها القطاع الصحي خلال العامين الماضيين:
- 30 أغسطس 2025: وفاة الرضيعة رانيا غبن في مستشفى الرنتيسي بسبب سوء التغذية ونقص العلاج.
- 23 أغسطس 2025: وفاة راسيل أبو مسعود (شهران) في مستشفى ناصر، بعد أن وثقت الكاميرات جسدها داخل ثلاجة الموتى.
- 22 أغسطس 2025: وفاة الرضيعة غدير بريكة (5 أشهر) جراء نقص الحليب بسبب إغلاق المعابر.
- 7 أغسطس 2025: وفاة الطفلة رؤى ماشي (عامان) ومحمد عصفور (عام وأربعة شهور) بسوء تغذية في مستشفى ناصر بخان يونس.
- مايو 2025: وفاة الرضيعة جنان السكافي (4 شهور) بين ذراعي أمها بسبب نقص الغذاء والدواء.
- أغسطس 2024: وفاة الطفلة لينا الشيخ خليل (4 سنوات) وسط القطاع بسوء التغذية.
- يوليو 2024: وفاة الطفل حكمت بدير (6 أعوام) جراء الجوع في دير البلح.
أطفال في مواجهة الموت
يحذر الأطباء في غزة من أن نحو 650 ألف طفل مهددون بالموت بسبب سوء التغذية الحاد ونقص الأدوية الأساسية، في ظل حصار مطبق منذ عامين.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه تقارير دولية عن “واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث”، لا تزال إسرائيل تمنع دخول أكثر من 120 ألف شاحنة مساعدات إنسانية إلى القطاع.
إبادة جماعية تمتد جوعًا ومرضًا
منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل، بدعم أمريكي، حرب إبادة جماعية على قطاع غزة، أسفرت عن استشهاد 67 ألفًا و139 فلسطينيًا وإصابة 169 ألفًا و583 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب وفاة 460 شخصًا بسبب الجوع وسوء التغذية.
وتؤكد منظمات حقوقية أن المجاعة في غزة ليست كارثة طبيعية بل جريمة متعمدة، تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني.
قراءة تحليلية: الإبادة الغذائية كسلاح حرب
يرى خبراء القانون الدولي أن ما يجري في غزة لا يُعد فقط حصارًا عسكريًا، بل استخدامًا ممنهجًا للتجويع كسلاح حرب، وهو جريمة إبادة جماعية وفق اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية.
فسياسة حرمان المدنيين، وخصوصًا الأطفال، من الغذاء والدواء تهدف إلى إخضاع السكان وتهجيرهم قسريًا، وهو ما وثقته منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية في تقاريرها الأخيرة.
ويشير مراقبون إلى أن استمرار الصمت الدولي أمام هذه المأساة يشكل تواطؤًا ضمنيًا، فيما تبدو الدعوات الأممية للإغاثة عاجزة عن كسر الحصار أو إلزام إسرائيل بفتح المعابر.
وفي الوقت ذاته، تتجه الأنظار إلى المفاوضات الجارية في شرم الشيخ بين حماس وإسرائيل، بوساطة مصرية وأمريكية وقطرية، لبحث آلية تنفيذ خطة ترامب التي تتضمن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
لكن في ظل استمرار الحصار والمجاعة، تبقى قضية أطفال غزة المهددين بالموت البطيء شاهدًا دامغًا على فشل النظام الدولي في حماية الأبرياء، وعلى أن الجوع في غزة أصبح وجهًا آخر للإبادة.