
هل يمكن للحكاية أن تنتهي وهي لم تكتمل فصولها بعد؟
السؤال ما زال يرنّ في ضمير كل عربي، ومع كل تطور في القضية الفلسطينية يتجدّد صداه في الشوارع والقلوب.
ورغم الإعلان رسميًا عن وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، إلا أن الحكاية تبقى مستمرة ولن تتوقف..
“طوفان الأقصى” لم يكن حدثًا عابرًا في تاريخ الصراع، بل كان زلزالًا أعاد رسم خريطة المنطقة، وصرخةً أعادت الوعي بعد أن كاد يُدفن تحت ركام التطبيع والتنازلات.
هي حكاية وطن يرفض أن يُكسر، وشعب يصرّ على أن تبقى كلمته الأخيرة هي الكلمة الفاصلة.
طوفان يكسر الصمت
لقد كسر الطوفان جدار الصمت، وأيقظ العالم من سباته العميق.
سنوات طويلة كان فيها الملف الفلسطيني يُعامل كملف منتهي الصلاحية.. لا يحرك ضميرًا ولا يغير مواقف.
لكن ما حدث فجأة أعاد تعريف كل شيء، وأعاد البوصلة إلى مكانها الصحيح لتتجه نحو القدس.
أثبت الطوفان أن القضية ليست جرحًا قديمًا، بل جرحًا نازفًا في قلب الأمة لا يندمل، وأن إرادة الشعوب أقوى من الجيوش المدججة، وأن فكرة الحرية لا تموت مهما حاولوا دفنها تحت الأنقاض.
ملحمة الطوفان
لم يكن “طوفان الأقصى” مجرد عملية عسكرية، بل ملحمة إنسانية كتبتها كل فئات الشعب الفلسطيني بحروفٍ من صمودٍ وتحدٍّ.
هي حكاية متشابكة الخيوط.. كل خيط فيها قصة كاملة.
1. حكاية الشباب.. جيل وُلد في زمن الاحتلال، فاختار طريق المقاومة لا الاستسلام
لم ينتظر أحدًا يدافع عنه، بل حمل السلاح والإيمان في آنٍ واحد، ليؤكد أن الإصرار يصنع المعجزات.
هم الذين علموا العالم أن من أراد كرامته، فليحملها بنفسه ولا ينتظرها من أحد.
2. حكاية النساء.. نساء فلسطين.. أول من يودعن الشهداء وآخر من يغادرن الميدان
جُبلن على العزيمة، وربين أبناءهن على البطولة، فكنّ في كل بيت مدرسةً للصبر والثبات.
وجوههن التي لفحتها النيران ظلت مرفوعة، تردد الدعاء، وتغرس في الأجيال فكرة أن النصر وعدٌ من الله.
3. حكاية الأطفال.. رغم القصف والحصار والجوع، تبقى ضحكاتهم شهادة ميلاد الأمل
أولئك الصغار الذين يرسمون العلم الفلسطيني على جدران المخيم، يعلمون العالم أن الطفولة لا تُقتل بالدمار، وأن من يزرع الوعي في قلب طفل فلسطيني كأنه زرع أمة بأكملها.
درس العزة والكرامة
لقد لقّنت غزة العالم درسًا لا يُنسى..
سلامٌ على أولئك الذين علمونا الصمود حين اختار الجميع الصمت، وسلام على من أعلوا راية الكرامة حين انحنت الرؤوس أمام الصفقات.
هم من أعادوا تعريف الشرف، وجعلوا الكرامة عنوانًا للحياة لا شعارًا في الخطب.
لقد أوقفوا العالم على قدمٍ واحدة يتابع ما يحدث في غزة، بعد أن كانت القضية تُنسى في هوامش نشرات الأخبار.
اليوم صار اسم غزة مرادفًا للبطولة، وصار صمودها عنوانًا يُدرَّس للأجيال.
لقد أثبتوا أن الشعوب الحرة لا تُقهر، وأن من يعيش بالكرامة يموت واقفًا ولا يركع.
فصول لم تُكتب بعد
قد يظن البعض أن القصة انتهت، لكنها في الحقيقة بدأت لتوّها.
فالحكاية لم تصل إلى نهايتها بعد، وما زال في قلبها فصول كثيرة لم تُكتب..
فصول ستحكي عن وطنٍ ينهض من تحت الركام، عن أطفالٍ سيكبرون ليكتبوا تاريخًا جديدًا، وعن مقاومين لا يعرفون المستحيل.
القضية الفلسطينية اليوم ليست مسألة حدود، بل قضية كرامة ووجود.
وما دام في هذه الأمة من يرفض الانكسار، فلن تُطفأ شعلة الأمل مهما طال الليل.
بارك الله في شعب فلسطين.. شعب الجبارين، الذين يصنعون من الألم أملًا، ومن الرماد فجرًا جديدًا.
فالحكاية مستمرة.. وما زال التاريخ يكتبها بحروفٍ من دمٍ وصبرٍ وإيمانٍ.. قصة وطنٍ يرفض أن ينكسر.