
كان الفجر لا يزال ناعمًا، وقت أن تعرفت عليها من خلال زيارتها الأولي لي في مقر حزب الوفد لإجراء حوار صحفي لمجلة النيوزويك التي كانت انضمت للعمل في مكتبها بالقاهرة. بدأت الرحلة الطويلة في دروب الحياة تتراءى أمامي بصفحاتها. في لحظة البداية، من هذا اللقاء المبكر لتبدأ الرحلة مع جميلة إسماعيل، رفيقة الطريق، وشريكة النضال، التي كانت حاضرة بكل أثر، في كل تحدٍ واجهناه، وفي كل نجاح حققناه.
جميلة لم تكن مجرد رفيقة دربي وصديقة أو زميلة، بل كانت حاضرة بقوة التاريخ والحياة والسياسة.
ففي فترات اعتقالي المتكررة، كانت صمام الأمان في البيت وفي الحزب والجريدة.
فهي من يدير الأمور خلف الكواليس مع عدد من زملائنا في حزب الغد، تواجه التحديات بكل حزم وعزم، تحافظ على استمرار النشاط السياسي، وتعمل بصمت وإتقان لتخفيف آثار الغياب القسري على حريتي ومسيرتي.
كان حضورها في حملتي الانتخابية في أول انتخابات رئاسية مصرية عام 2005 ذا أثر بالغ ووزن كبير.
كانت توازن بين التخطيط والإشراف والتوجيه، تدير التفاصيل بدقة، وتزرع الثقة في كل من حولها. لم أكن أشعر بوجودها فقط كرفيقة عمل، بل كقوة فكرية ونفسية أعادت إلى كل خطوة اتزانها، وجعلت حملاتي الانتخابية البرلمانية والرئاسية أكثر إشراقًا وتأثيرًا.
وفي سنوات ودورات انتخابي المتعددة عن دائرة باب الشعرية والموسكي، كانت دائمًا خلف الكواليس، تعمل بلا كلل في إدارة الخدمات للجمهور، تتابع كل صغيرة وكبيرة، تبذل جهودًا هائلة لضمان أن يصل كل صوت وكل طلب إلى مستحقيه.
كانت تعلم أن العمل الحقيقي لا يظهر دائمًا على واجهة الصورة، لكنه يترك أثره في حياة الناس ويصنع الفرق.
خلال مسيرتها في حزب الغد ثم حزب غد الثورة، أثبتت جميلة أن النضال لا يقتصر على الظهور الإعلامي أو السياسي، بل يمتد إلى تفاصيل الحياة اليومية والعمل التنظيمي.
ومع انتقالها لاحقًا إلى الحركة المدنية وحزب الدستور، استمرت في الدور ذاته، لكن في إطار أوسع، مؤثرة في بناء قواعد الفكر المدني والديمقراطي، مع حرصها على عدم موازاة جهودها السابقة بل استكمالها وتوسيعها.
طوال هذه السنوات، عرفت منها معنى أن الصداقة ليست عقدًا أو كلمات تُقال، بل أفعال تُمارس. ومعها، عرفت معنى الإخلاص في العمل، وأهمية ألا يغيب التوازن بين الحزم والرحمة، بين الفكر والإحساس، بين السياسة والأخلاق.
كانت جميلة حاضرة في كل تفاصيل المسيرة، في الاجتماعات، في النقاشات، في كل لحظة تحتاج فيها الإرادة القوية والضمير الحي.
اختلفنا واتفقنا في تقييم ما حدث منذ 2011 – خاصة في 2013 – ولم ينعكس الخلاف في الرأي والموقف على الاحترام والتقدير المتبادل.
جميلة تعرف قيمة نفسها، وتحترم كل صوت، وتزرع الهيبة قبل الحب في كل قلب. فحضورها لم يكن كمجرد زوجة، بل كشريكة في رسالة للعطاء والتوازن.
رسالة أن النضال الحقيقي ينبغي أن يبدأ من البيت كما يبدأ من الميدان، وأن كل فعل صغير يمكن أن يصنع أثرًا كبيرًا.
وفي حياتها الخاصة، لم تنسَ “الزوجة” جميلة على مدار عقدين من الزمان جانبها الإنساني والعائلي، فقد كانت – ولا زالت – أمًا عظيمة لنور وشادي، تزرع فيهما القيم قبل العلم والمعرفة، وتقدّم لهما مثالًا حيًا على الصبر والحكمة والالتزام، على الحب الذي يصنع إنسانًا قادرًا على مواجهة الحياة بكل قوتها ورقتها.
وها أنا أكتب عنها اليوم، أرى في حضورها درسًا في الحياة، وفهمًا لقوة الروح التي تُشع الأمل في كل وقت حتى في أحلك الأوقات.
من خلالها عرفت أن الرفقة الحقيقية والمستمرة، هي التي تُبنى على الاحترام المتبادل، وأن الإنسان الذي يؤمن بالحق والعدل قادر على ترك أثر لا يمحى.
أختم هذه الحلقة بتمنياتي لها بكل التوفيق في حياتها العامة والخاصة، وفي كل دور قامت به ولا تزال تقوم به في الحركة المدنية وحزب الدستور، وفي رعاية أبنائها نور وشادي، مع أطيب الأمنيات لمستقبل يليق بروحها وعطائها الذي لا يكلّ، ولمسيرة نضالية تتسع لكل إنجازاتها ووفائها.



















