ترامب يحقق “نصر السلام” في غزة.. لكن التحديات تبدأ الآن

بعد عامين من الحرب في غزة، تمكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي لطالما قدّم نفسه باعتباره “صانع السلام” وسعى لنيل جائزة نوبل، من تحقيق نصر دبلوماسي بارز تمثل في اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، والذي وُقّع في شرم الشيخ بحضور عدد من قادة العالم.
ورغم الأضواء التي أحاطت بهذا الحدث، يرى محللون أن ترسيخ سلام دائم في الشرق الأوسط سيتطلب من ترامب الاستمرار في الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي سيكون شريكًا أساسيًا في المراحل التالية من الخطة الأميركية.
فمنذ عهد بيل كلينتون مرورًا بجورج بوش وباراك أوباما ووصولًا إلى جو بايدن، واجه الرؤساء الأميركيون صعوبات في التعامل مع نتنياهو، الذي يُعرف بمواقفه المتشددة ومناوراته السياسية، حتى إن بعض مسؤولي إدارة ترامب أنفسهم شعروا بالإحباط من الضربات العسكرية الإسرائيلية التي اعتبروها مدمّرة لجهود واشنطن السياسية.
ومع ذلك، نجح ترامب خلال الأسابيع الماضية في إقناع نتنياهو بقبول خطته المكوّنة من 20 بندًا لإنهاء الحرب، وإقناع حلفاء إقليميين بدفع حماس للإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين — وهو إنجاز وُصف بأنه أكبر اختراق دبلوماسي منذ اتفاقات أبراهام.
لكن كما يقول الباحث الإسرائيلي نمرود جورن، رئيس “معهد ميتفيم للسياسات الخارجية”، فإن “العمل الشاق يبدأ الآن”، موضحًا أن إسرائيل مقبلة على عام انتخابي سيجعل كل قرار رهينة للحسابات السياسية الداخلية، وهو ما قد يدفع نتنياهو إلى التراجع عن التزاماته السابقة في سبيل الحفاظ على ائتلافه اليميني.
الغموض الذي أنقذ الاتفاق
يرى محللون أن قوة خطة ترامب تكمن في غموضها، إذ تجنبت الوثيقة التفاصيل الدقيقة التي طالما عرقلت المفاوضات السابقة، وهو ما سهّل على الطرفين التوقيع.
غير أن هذا الغموض ذاته يمثل الآن أكبر نقاط الضعف، إذ لم يُحسم بعد شكل نزع سلاح حماس أو آلية إدارة غزة في المرحلة الانتقالية.
ورغم إعلان حماس موافقتها العامة على الخطة، لم تتطرق الحركة في بيانها الرسمي إلى مسألة نزع السلاح أو استبعادها من الحكم، في حين تؤكد مصادر مقربة منها أنها ترى لنفسها دورًا مستقبليًا ضمن “إدارة فلسطينية موسّعة” بعد الحرب.
ترامب بين الحزم والمصالح
لطالما تباهى ترامب بعلاقته الوثيقة بنتنياهو، لكنه أظهر في الأسابيع الأخيرة قدراً غير مسبوق من الحزم تجاهه. فقد أجبره، بحسب مصادر دبلوماسية، على الاتصال بأمير قطر والاعتذار رسميًا بعد الغارة الإسرائيلية الفاشلة في الدوحة، كما ألزم حكومته بالتوقيع على الخطة الأميركية رغم التحفظات الإسرائيلية على بعض بنودها.
ويقول الباحث الأميركي جون ألترمان، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، إن ترامب يمتلك نفوذاً شخصياً على نتنياهو لا يملكه أي زعيم آخر، موضحًا أن “ترامب يتمتع بشعبية في إسرائيل تفوق نتنياهو نفسه، ويمكنه إما أن يدعم مستقبله السياسي أو يقضي عليه تمامًا”.
عقبة الدولة الفلسطينية
لكن إحدى أكثر القضايا حساسية في خطة ترامب تبقى الإشارة إلى “إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقبلية”، وهي فكرة يرفضها معظم الإسرائيليين بعد هجوم حماس في أكتوبر 2023.
ويحذر السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل دان شابيرو من أن أي تصعيد سياسي داخل إسرائيل ضد هذا البند “قد يُضعف استعداد الدول العربية للاستمرار في دعم تنفيذ الاتفاق”، خصوصًا إذا استغلت المعارضة الإسرائيلية القضية لمهاجمة الحكومة الحالية.
في المحصلة، يبدو أن ترامب حقق اختراقًا تاريخيًا بإنهاء الحرب في غزة، لكنه يقف الآن أمام أصعب مرحلة في مسيرته الدبلوماسية: ترجمة اتفاق هشّ إلى سلام دائم في منطقة لا تثق بسهولة — وهي مهمة قد تحدد ما إذا كان سعيه لجائزة نوبل مجرد طموح رمزي، أم بداية فصل جديد في تاريخ الشرق الأوسط.