مقالات وآراء

إسلام الغامري يكتب: قمة شرم الشيخ… ما الذي تخفيه فعلاً؟

بينما تروّج العناوين الرسمية أن قمة شرم الشيخ تمثل بداية مسار سلام جديد في الشرق الأوسط، فإن ما يجري خلف الكواليس يكشف عن مشهد أكثر تعقيدًا وواقعية.

الحدث الذي جمع قادة دول عربية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاء في لحظة إقليمية حرجة، تلت حربًا مدمّرة في غزة انتهت بوقف هشّ لإطلاق النار، أكثر منه اتفاق سلام.

القمة، في ظاهرها، تبحث تثبيت الهدنة وتحريك عجلة الإعمار، لكنها في جوهرها تمثل محاولة أمريكية لإعادة الإمساك بخيوط اللعبة السياسية بعد أن خرجت المنطقة عن السيطرة خلال العامين الماضيين.

واشنطن تريد أن يكون هذا المؤتمر هو البوابة لفرض مسار سياسي جديد، يعيد صياغة العلاقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ويقصي المقاومة من أي تمثيل مباشر.

إنها نسخة محدثة من صفقة القرن، ولكن بوجه أكثر هدوءًا، وأدوات أكثر دهاءً.

ما وراء الشعارات

من الناحية الميدانية، لا تزال غزة مدينةً منكوبةً تحاول لملمة آثار الحرب.

المقاومة في حالة تأهب، والاحتلال الإسرائيلي يبقي على قواته وطائراته في وضع الاستعداد الكامل.

أما الهدنة المعلنة، فهي أقرب إلى استراحة مؤقتة من جولة جديدة، لا إلى سلام دائم.

في هذا الفراغ الهش تتحرك القوى الكبرى لتوظيف “الهدوء” من أجل رسم مستقبل المنطقة على طريقتها.

مصر، صاحبة الأرض والوساطة، تحاول تثبيت التهدئة ومنع أي تصعيد جديد، لكنها تواجه ضغوطًا أمريكية وإسرائيلية متزايدة لربط الإعمار بملف نزع السلاح، وهو ما تعتبره المقاومة مدخلًا لفرض شروط سياسية مرفوضة.

أما الدول العربية المشاركة الأخرى، فتسير على حبلٍ مشدود بين الرغبة في منع عودة الحرب والخشية من أن تتحول القمة إلى منصة لتصفية القضية الفلسطينية تحت عنوان “السلام الإقليمي”.

الدور الأمريكي والعودة إلى الصفقة الصامتة

خطاب ترامب في القمة لم يترك شكًا حول نواياه؛ إذ أعلن أن ما حدث في غزة يجب أن يكون بداية لسلام دائم، وأن الولايات المتحدة ستساعد في رسم مستقبل جديد للمنطقة.

وراء هذه الكلمات تكمن رؤية واضحة: فرض حل سياسي سريع يضمن أمن إسرائيل مقابل وعود اقتصادية للفلسطينيين، وهي الصيغة القديمة التي فشلت في الماضي وتُعاد اليوم بوجه أكثر نعومة.

إنها “الصفقة الصامتة” التي يجري تمريرها عبر أدوات إنسانية واقتصادية لا عسكرية، خطة تهدف إلى خنق الوجود الفلسطيني لا اقتلاعه صراحة، بل دفعه إلى الرحيل ببطء من خلال الضغط المعيشي والقيود الأمنية والرقابة الدولية على الإعمار والمساعدات.

تركيا والعنصر الموازن

في المقابل، تتحرك تركيا بوعي استراتيجي لافت، تدرك أن أي تسوية مفروضة من الخارج دون إشراك المقاومة ستفجر الإقليم من جديد.

الرئيس رجب طيب أردوغان شدد على أن الهدنة لا يمكن أن تتحول إلى تسوية تُهمّش حقوق الفلسطينيين، مؤكدًا أن أنقرة ستواصل دعمها السياسي والإنساني لغزة مهما كانت الضغوط.

تعمل تركيا على موازنة دقيقة: دعم الإغاثة وإعادة الإعمار عبر مؤسساتها، وفتح قنوات تواصل غير مباشرة مع فصائل المقاومة، والتنسيق مع القاهرة لتفادي انفجار جديد، دون الخضوع للمسار الأمريكي.

السيناريوهات المقبلة

الأيام القادمة ستحدد ما إذا كانت قمة شرم الشيخ نقطة تهدئة حقيقية أم مقدمة لمرحلة جديدة من الصراع البارد.
السيناريوهات المطروحة ثلاثة:

  1. سيناريو أمريكي مفروض: تثبيت الهدنة مقابل سلام اقتصادي يهمّش البعد السياسي ويحوّل غزة إلى منطقة مراقَبة اقتصاديًا وأمنيًا.
  2. سيناريو تركي–عربي متوازن: تعاون أنقرة والقاهرة لتثبيت الهدنة وضمان تمثيل فلسطيني واسع يفتح نافذة لتسوية مشروطة تحفظ الحد الأدنى من السيادة.
  3. السيناريو الأخطر – الصفقة الصامتة: إعادة إنتاج صفقة القرن عبر التهجير البطيء والضغوط الإنسانية والاقتصادية، بغطاء إعادة الإعمار.

إلا أن المشهد الإقليمي اليوم تغيّر: تركيا ترفض التهجير، ومصر تدرك أن امتداد النار إلى سيناء خط أحمر، والوعي الشعبي العربي لم يعد يقبل بتكرار صفقات الخضوع القديمة.

لذلك فنجاح المشروع الأمريكي لم يعد مضمونًا كما كان.

كلمة أخيرة

قمة شرم الشيخ ليست نهاية الطريق، بل بداية فصل جديد من معركة الوعي والسياسة.

قد تُرسم الخطط في العواصم الكبرى، لكن التاريخ علمنا أن الإرادة إذا وُجدت، والوعي إذا استيقظ، يمكن أن يغير مجرى الأحداث كلها.

ما يجري اليوم ليس قدرًا لا يمكن دفعه، بل اختبار لإرادة الأمة وصبرها وإصرارها على البقاء في الميدان.

ومن يملك الوعي يملك الاتجاه، ومن يملك الإرادة يصنع المصير.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى