
بعد رفع أسعار البنزين.. أين تذهب أموال الحكومة رغم تراجع التضخم؟
الحكومة ترفع الأسعار لتقليص العجز وتمويل التنمية
أثار قرار الحكومة المصرية رفع أسعار البنزين والمحروقات بأنواعها، أمس، تساؤلات واسعة حول أسباب الزيادة وتداعياتها الاقتصادية، خاصة مع إعلان تراجع معدل التضخم السنوي خلال الشهر الماضي، وعودة الجدل حول مصير الأموال الناتجة عن خفض دعم الوقود، وما إذا كانت هذه الخطوة تأتي ضمن خطة شاملة لإعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام.
التضخم يتراجع.. والأسعار ترتفع
ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS)، بلغ معدل التضخم السنوي 11.7% خلال سبتمبر 2025 مقابل 11.2% في أغسطس الماضي، بما يعكس استقرارًا نسبيًا في وتيرة التضخم بعد موجات الارتفاع الحاد التي شهدتها البلاد خلال العامين الماضيين.
ورغم هذا التراجع، يرى خبراء الاقتصاد أن زيادة أسعار الوقود ستنعكس سريعًا على تكلفة النقل والإنتاج، بما قد يؤدي إلى موجة ارتفاع جديدة في أسعار السلع والخدمات.
الحكومة: الزيادة ضمن خطة لإعادة توجيه الدعم
تؤكد الحكومة أن القرار يأتي في إطار خطة ترشيد الدعم وإعادة توجيه الإنفاق العام، بهدف تعزيز موارد الدولة وتحقيق التوازن المالي، في حين يبقى المواطن المتأثر الأول بأي ارتفاع جديد في الأسعار، وسط ضغوط معيشية متراكمة وتراجع في القوة الشرائية.
خبير اقتصادي: الدعم لم يُرفع كليًا.. ولكن التوقيت صعب
قال الدكتور عمرو سليمان، أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان، إن “الدعم لم يُرفع عن البنزين بشكل كامل، وإنما جرى تخفيضه جزئيًا، حيث ما زالت الدولة تدعم الطاقة، وسعر لتر البنزين الحالي لا يزال أقل من تكلفته الفعلية“.
وأضاف سليمان في تصريحات خاصة أن عجز الموازنة العامة هو التحدي الأبرز أمام الحكومة، إذ إن مدفوعات الديون والفوائد تلتهم أكثر من نصف الموازنة، ما يدفع الدولة إلى سياسات ترشيد الإنفاق وإعادة ترتيب أولوياتها المالية لتقليل الاستدانة وتحقيق الانضباط المالي.
إعادة توجيه الدعم نحو الفئات الأكثر احتياجًا
وأوضح الخبير الاقتصادي أن ترشيد الدعم وتوجيهه إلى مستحقيه يمثل أحد المحاور الأساسية في برنامج الإصلاح الاقتصادي، مشيرًا إلى أنه من غير المنطقي استمرار دعم البنزين لمواطنين من ذوي الدخل المرتفع، في وقت تحتاج فيه القرى والمناطق الفقيرة إلى خدمات أساسية مثل الصرف الصحي والبنية التحتية.
وأكد أن إعادة توجيه الدعم من الفئات القادرة إلى الفئات الأكثر احتياجًا يعد قرارًا اقتصاديًا سليمًا، رغم أنه قد يؤدي إلى ارتفاع محدود في الأسعار، موضحًا أن الإشكالية تكمن في توقيت القرار، إذ كان من الأفضل تطبيقه في فترة انخفاض معدلات التضخم واستقرار الأسعار لتقليل أثره على المواطنين.
الحماية الاجتماعية تخفف أثر القرارات
وأشار سليمان إلى أن الدولة تعمل على توسيع مظلة الحماية الاجتماعية بالتوازي مع إصلاحات الدعم، من خلال زيادة أعداد المستفيدين من “تكافل وكرامة”، وتقديم دعم للعمالة غير المنتظمة، وتنفيذ مشروعات “حياة كريمة” لتحسين مستوى المعيشة في المناطق الريفية والأكثر فقرًا.
أين تذهب أموال البنزين؟
واختتم أستاذ الاقتصاد تصريحاته بالتأكيد على أن الأموال التي توفّرها الحكومة من خفض دعم البنزين تُعاد توجيهها إلى ثلاثة مسارات رئيسية:
- تقليص عجز الموازنة العامة للدولة.
- تقليل حجم الاستدانة والاعتماد على القروض الخارجية.
- تمويل مشروعات التنمية في المناطق الأكثر احتياجًا مثل الصعيد والدلتا وسيناء والوادي الجديد، بعد سنوات من الإهمال التنموي.
وأشار إلى أن جميع دول العالم تتجه نحو إلغاء الدعم العيني واستبداله بالدعم النقدي الموجه، لضمان عدالة التوزيع وزيادة كفاءة الإنفاق العام.