مقالات وآراء

مجدي حمدان يكتب: كيف نجحت الدولة المصرية في صناعة برلمان بلا هوية؟

سؤال يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه يحمل في طياته عمق الأزمة السياسية المصرية الراهنة، إذ لم يعد البرلمان تعبيرًا عن الإرادة الشعبية، بقدر ما صار انعكاسًا لتوازنات المال والنفوذ، وصناعة مُحكمة لإفراغ العمل النيابي من مضمونه الحقيقي.

وللإجابة على هذا التساؤل، لا بد أولًا من التوقف أمام جذر الخلل الدستوري والسياسي، وهو تجاهل الدولة الصريح لنصوص الدستور التي أوجبت إجراء الانتخابات المحلية باعتبارها الاستحقاق الأهم في منظومة التمثيل الشعبي.

فالمادة (180) من الدستور تنص على أن “تُنتخب كل وحدة محلية انتخابًا مباشرًا لمدة أربع سنوات…”، وأن تلك المجالس تختص بمتابعة خطط التنمية والمرافق العامة والخدمات في نطاقها.

لكن ما حدث هو تعمد تغييب هذا الاستحقاق لسنوات طويلة، مما فتح الباب واسعًا أمام ظاهرة خطيرة: أن يتحول البرلمان إلى بديل زائف عن المجالس المحلية، وأن يتوهم المرشحون أن دور النائب هو إصلاح الطرق وتعيين العمال وحل مشكلات المياه والصرف!

إن غياب المجالس المحلية جعل المواطن البسيط يبحث عن “نائب خدمي” يلبي حاجاته اليومية، فوجد نفسه فريسة لأصحاب المال الذين يجيدون لغة الوعود، ويملكون أدوات التأثير المالي على الناخبين، في ظل حالة من الفقر وغياب الوعي السياسي.

وهكذا تحولت العملية الانتخابية إلى سوق نفوذ لا منافسة برامج، وإلى مزاد مالي لا اختيار وطني.

ولا يمكن فصل هذا المشهد عن تراخي الجهات المنوط بها رقابة العملية الانتخابية تجاه المال السياسي، إذ شهدت الدوائر الانتخابية إنفاقًا غير مسبوق على الحملات، تجاوز في بعض الحالات سبعة ملايين جنيه للمرشح الواحد، بخلاف الدعاية الباهظة لقائمة نجحت مسبقًا، والتي تحتاج فقط إلى خمسة بالمائة من الأصوات للاعتراف بفوزها رسميًا!

هذا المشهد يعكس فقدان التوازن بين الرقابة والشفافية، ويكشف أن المال أصبح هو البوابة الحقيقية للنفوذ السياسي، لا الكفاءة أو البرنامج أو الموقف الوطني.

ولم يعد البرلمان بيتًا للأمة كما أراده الدستور، بل صار بابًا مفتوحًا للمدّعين ممن يشترون النفوذ بالمال، ويتاجرون بأوجاع الناس، ويدّعون القدرة على “تذليل الصعاب” لأن الدولة غيّبت أجهزة الإدارة المحلية التي كانت مناطها الطبيعي.

وأصبحت النتيجة مجالس نيابية فاقدة للهوية، ضعيفة الأداء السياسي، مشغولة بالمصالح الفردية، خالية من المعارضة الحقيقية أو الرؤى التشريعية القادرة على ضبط السياسات العامة أو مراقبة السلطة التنفيذية.

إن أخطر ما في المشهد أن النواب الحقيقيين، أصحاب المواقف الوطنية والقدرات التشريعية، لم يعودوا يأملون في أن يكون لهم مكان للتأثير أو لتغيير السياسات، لأن الدولة تسير في اتجاه مغاير للديمقراطية، وتؤسس لبرلمانٍ يصفّق بدل أن يحاسب، ويتلقى بدل أن يناقش.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى