خالد البلشي يدعو إلى بناء صحافة المستقبل في مواجهة التزييف والذكاء الاصطناعي

أكد خالد البلشي، نقيب الصحفيين، أن مهنة الصحافة تقف مساء أمس عند مفترق طرق تاريخي، بين تحديات الذكاء الاصطناعي ومخاطر التزييف، وبين مسؤوليتها الأخلاقية في حماية الحقيقة والحرية، مشددًا على أن الصحفيين “لن يكونوا ضحايا للتحول التكنولوجي، بل فرسانه”.
جاء ذلك خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القاهرة السابع للإعلام، الذي نظمته الجامعة الأمريكية بالقاهرة، برئاسة الدكتورة نائلة حمدي رئيس اللجنة المنظمة، والدكتورة رشا علام رئيس قسم الصحافة والإعلام بالجامعة، وبمشاركة واسعة من الأكاديميين والمهنيين وخبراء الإعلام.
واستهل نقيب الصحفيين كلمته بالتأكيد على أن هذا العام يمثل لحظة فارقة في مسيرة المهنة، إذ يأتي بعد عامين من “أصوات المدافع ومشاهد المذبحة التي ارتكبت بحق الصحافة الفلسطينية”، مشيرًا إلى أن الحرب الأخيرة خلفت أكثر من 250 شهيدًا من الصحفيين والصحفيات، وتدمير أكثر من 150 مؤسسة إعلامية في عملية “ممنهجة لإسكات الصوت وطمس الحقيقة”.
وقال البلشي: “هذه ليست أرقامًا نرددها، بل أعمار سُلبت وأحلام توقفت، وتجربة لن نتجاوزها إلا بالمحاسبة والعدالة”.. مضيفا أن صمود الشعب الفلسطيني وبطولة الصحفيين الفلسطينيين “منح العالم درسًا في الإصرار والإرادة، وعلينا أن نحول الألم إلى طاقة أمل وصناعة للمستقبل”.
وأوضح نقيب الصحفيين أن القضية التي تواجه الصحافة اليوم لم تعد فقط “كيف ننجو؟”، بل “كيف ننتصر في معركة المهنة والحقيقة في عصر الخوارزميات”.. مشيرا إلى أن الذكاء الاصطناعي، الذي أعيد اختياره عنوانًا لمؤتمر هذا العام، لم يعد مجرد أداة للتطور بل تحول إلى “سلاح في حرب التضليل”، مستخدمًا لتزييف الصور والأخبار، وتبرير جرائم الحرب.
وقال البلشي إن “التزييف العميق” أصبح أخطر أدوات التلاعب بالعقول، حيث شهد العالم “صورًا مزيفة لأطفال وقرى وأحداث” جرى تداولها على أعلى المستويات لتبرير الجرائم، داعيًا إلى مواجهة هذه الظاهرة بوعي ومهنية لا تقل عن شجاعة الصحفيين في الميدان.
وطرح البلشي رؤية متكاملة لمستقبل المهنة ترتكز على أربعة محاور رئيسية:أولًا: التحول من ضحايا التزييف إلى “حراس الحقيقة”، من خلال وضع ميثاق شرف مهني لاستخدام الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار، وتدريب الصحفيين على كشف المحتوى المفبرك، واستثمار التكنولوجيا في خدمة الصحافة الاستقصائية وتحليل البيانات بدلاً من تقويضها.
وأضاف البلشي “ثانيًا: تطوير التعليم الإعلامي وبرامج التدريب لتخريج جيل من الصحفيين القادرين على “ترويض التقنية” لا الخضوع لها، عبر دمج التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ضمن المناهج الأكاديمية تحت عنوان (صحافة المستقبل)”.
وأردف “ثالثًا: الدفاع عن حرية الصحافة في العصر الرقمي، الذي يشهد معركة على جبهتين أولاهما ضد الرقابة والخوف، والثانية ضد خوارزميات التحكم في المحتوى’.. داعيا إلى تعاون دولي بين نقابات الصحفيين والجامعات وشركات التكنولوجيا “لحماية الحقيقة في الفضاء الرقمي من ديكتاتورية المنصات الكبرى”.
واسترسل نقيب الصحفيين “رابعًا: التأكيد على العدالة والمساءلة كشرط أساسي لاستمرار المهنة، مطالبًا بمحاسبة قتلة الصحفيين والإفراج عن المحتجزين منهم، باعتبار ذلك (مطلبًا نقابيًا لا تنازل عنه)”.
واستكمل البلشي كلمته بدعوة إلى تحويل دروس الحرب ومعاناة السنوات الماضية إلى حافز لتجديد الصحافة وبناء مستقبلها، قائلًا: “لن نسمح لأنفسنا أن نُحاصر بين مطرقة الاستبدال وسندان التخلف التقني. فلنعمل معًا على بناء صحافة تحترم الماضي ولا تقع أسيرة له، صحافة تحمي الإنسان وتغذي الآلة بإنسانيتها.”
وأضاف: “الدماء التي سالت في فلسطين لن تذهب هدرًا إذا استطعنا تحويلها إلى دافع للتغيير، فالتحدي الذي نواجهه اليوم ليس تقنيًا فحسب، بل هو تحدٍ قيمي وأخلاقي لمهنة كانت ولا تزال ضمير الإنسانية.”
واختتم نقيب الصحفيين كلمته قائلًا: “من الاضطراب نصنع الأمل، ومن التحديات نصنع المستقبل، ولتكن كلمتنا واحدة: صحافة تحمي الحقيقة والإنسان معًا.”





