
عندما تأسست الهيئة الوطنية للانتخابات بموجب القانون رقم 198لسنة2017، كان الغرض منها أن تدير الهيئة الانتخابات العامة والمحلية والرئاسية والاستفتاءات بنزاهة وشفافية.
وقد أُختير لمجلس إدارة الهيئة 10 قضاة بحكم مناصبهم، وهؤلاء لا يقومون بمهام قضائية بل مهام إدارية، لذلك أقر القانون بإمكان الطعن على قرارات الهيئة بصفتها قرارات إدارية صرفة.
وقد اتبعت الهيئة ما أقره الدستور2012 المعدل عام2014 من جواز استعانتها بالقضاة من الهيئات والجهات القضائية إبان عملية الاقتراع، وذلك لمدة 10سنوات.
ومنذ2024 بدأت الهيئة تستعين بالهيئات القضائية، حيث أصبح الاستعانة بالجهات القضائية(قضاء مجلس الدولة والقضاء الإداري) غير دستوري بعد ذلك التاريخ.
لكن الهيئة خلال ممارسة عملها ومن واقع ما قامت به من إجراءات إدارية، أصبحت في مرمى النقد الشديد، لكونها لم تلتزم بمعايير النزاهة والأمانة العلمية والموضوعية والشفافية والحياد.
افتقاد الهيئة للحس السياسي فخلال قيامها بعملها منذ تأسيسها وحتى اليوم، لوحظ أن الهيئة تهتم اهتماما كبيرا بالإجراءات الروتينية والبيروقراطية، المتعلقة بمجرد “تستيف” الأوراق، فهي تقبل من الأفراد والأحزاب والقوى السياسية مستندات الترشيح التي أعلن الدستور والقانون وأعلنتها هي، وتنظم إجراءات تأسيس اللجان الخاصة بالترشيح والتظلمات والدعاية والاقتراع والفرز. وبذلك تسجن الهيئة ذاتها داخل قالب ضيق من هذه الأعمال الروتينية.
خذ على سبيل المثال، واحد من أخطر الأمور التي وقعت فيها الهيئة في خطأ جسيم، وهي أن تترك دون تحقيق شفاف ما صدر عن مواقع التواصل الاجتماعي، وما تردد بقوة منذ بضعة أسابيع عن عديد الأحزاب السياسية، خاصة من بعض الأحزاب التي تشارك في القائمة الوطنية الموحدة، من أنها تبيع المقاعد المخصصة للترشح للبرلمان (أو بالأحرى مقاعد البرلمان التي أصبحت مضمونة بسبب تزكية تلك القائمة) لرجال أعمال وقادرين، مقابل ملايين الجنيهات، ما يأذن بوجود برلمان يشتمل -ضمن مخلصين كثر- على مجموعة من الحثالة والفاسدين، الذين تكون مهامهم هي تشريع وسن القوانين.
إجراء انتخابات غير تنافسية للمرة الثانية خلال خمسة أشهر، تجرى الهيئة الوطنية للانتخابات انتخابات غير تنافسية على نصف عدد المقاعد المنتخبة لكل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
حيث قامت الهيئة تحت ذرائع روتينية وبيروقراطية ساذجة وسطحية -وقد بدت للبعض أنها مقررة سلفا- بمنع إجراء انتخابات تنافسية على القوائم المطلقة المعيبة أصلا دستوريا عبر ثلاثة أحكام من المحكمة الدستورية منذ 3 عقود، والمعيبة إخلاقيا لكونها في الأصل تزوير لإرادة الناخبين، بإلقاء 49% من أصوات الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم لصالح قائمة أو قوائم بعينها، في صندوق القائمة التي حصلت على 51% من الأصوات.
هنا يبرز قرار الهيئة بقبول قائمة واحدة على مستوى قطاعات الجمهورية الأربع، ورفض القوائم الأخرى المنافسة لها في قطاعات أخرى، لأسباب ورقية لا تبدو عند البعض تتسم بالجدية، وقد حدث ذلك في مجلس النواب، ويبدو أن القوى السياسية استشعرت مسبقا فعل ذلك في المجلس الضعيف المهمش والمسمى بمجلس الشيوخ فاقد الصلاحيات.
أما في الشق الفردي، فقد انحازت الهيئة للجانب الراغب في استبعاد مرشحين أقوياء بعينهم من المنافسة بحجج بدت غريبة، فمنعتهم، وأيدت المحكمة قرار الهيئة على الرغم من أن السوابق تؤكد مشاركة هؤلاء في العملية الانتخابية(حالة هيثم الحريرى إنموذجا).
انقطاع علاقة الهيئة بانتخابات المحليات من جانب أخر، فإن الهيئة التي لا تقوم إلا بمتابعة ما هو معروض عليها، لا يبدو أنها لها علاقة بأية أمور أخرى وعلى رأسها المحليات، فهي فقط ستشرف على انتخاباتها لو جرت غدا.
لكن تعليق تلك الانتخابات لمدة عقد ونصف من الزمن، هي لا علاقة للهيئة به!!!
ولا تصدر بيانات دائمة تحث فيها على إجراء تلك الانتخابات، التي كان غياب المحليات بسببها أحد أهم الأسباب لسيادة المركزية، واستشراء الفساد والمحسوبية.
المحليات هي بداية سلم الممارسة الديمقراطية، وبها يتم التجنيد السياسي إلى جانب العمل العام من خلال المشاركة في الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، ومن ثم فإن وجود المجالس المحلية يساهم في التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية، وغيابها يزيد من إجهاد وإرهاق عضو البرلمان الذي لا يجد مفرا إلا بالعمل كنائب خدمات معتمد.
غياب الشفافية في إعداد أوراق الاقتراع وبالنظر إلى أوراق الاقتراع في الانتخابات والتي يجب أن ترتب بشكل يتوافق مع تكافؤ الفرص والمساواة والحياد، يلاحظ أن الهيئة دوما ما تدعم من فرص الأحزاب المدللة القريبة من السلطة، وهي مستقبل وطن وحماة الوطن والشعب الجمهوري والجبهة الديمقراطية، فتضع مرشحي تلك الأحزاب على رأس ورقة الاقتراع، بحيث يسهل على الناخب البسيط اختيار ممثلي تلك الأحزاب يوم الاقتراع، وهو أمر يثير الإحباط لدى الناخبين، لكونه يُعلمهم بشكل غير مباشر أن العملية مرتبة ومعدة سلفا، ومن ثم تصبح كافة دعاوى الإعلام، ومنها ما تقوم الهيئة ببثه عبر الصحافة والتليفزيون لتشجيع الناخبين على الإدلاء بأصواتهم، أمر لا جدوى منه، فهو مجرد حرث في الماء، وهو ما يبرر انحسار نسب المشاركة كواجب، والقيام به فقط لمؤازرة مرشح عائلة أو قبيلة أو أسرة.
عدم الحسم مع المرشحين المنفلتين ولأن الهيئة لا تهتم إلا بالعمل الروتيني، فإنها تغمض عينها عن الأعمال التي تتعلق بخروقات المرشحين للدعية الانتخابية، سواء بالنسبة لوقتها، أو أماكنها، أو كم المال الضخم المنفق من البعض والذي يخرق السقوف المالية المحددة قانونا وبقرارات الهيئة الانتخابية الإدارية.
هنا لم نجد أن الهيئة طيلة عملها قد سبق لها أن شطبت مرشحا، وكأن الجميع ملتزم بالدعاية الانتخابية، رغم أن الشاهد أن بضعة لوحات لمرشح واحد في مكان عام واحد كفيلة بأن تجعله يخرق سقف الدعاية، فمبالنا بانتشار تلك اللوحات لذات المرشح في ربوع الدائرة بوسائل سفة وإصراف غير منطقية، ولا تساوى الثمن المقابل لها، وهي عضوية برلمان تطلق عليه الإدبيات البرلمانية الدولية بأنه مجلس تمريري.
إدارة موقع إلكتروني هزيل وضحل وبالنظر حتى للإجراءات الروتينية التي تقوم بها الهيئة، نجد أنها أيضا تتسم بالضعف، وليس أدل على ذلك من اغلملاحظات الكثيرة التي يأخذها أي متصفح منصفلالموقع الإلكتروني للهيئة، والعاجز والضعيف عن الإجابة على كم هائل من تساؤلات الناس.
فالموقع معلوماته متأخرة، وبدلا من أن يكون هو مصدر معلومات الصحف، أصبحت الناس تلجأ إلى الصحف بسبب تأخرة وبطأه وعدم تداركه للمواقف.
من ناحية أخرى، يحتاج الموقع إلى دعم بالقوانين الحديثة للعملية الانتخابية فهو خالي لتحديث قوانين الانتخابات (النواب/الشيوخ/مباشرة الحقوق السياسية/الدوائر الانتخابية)، كما يفتقر الموقع إلى دعم أعماله بإحصاءات مركبة، وتصنيفات للمرشحين والناخبين على أسس نوعية وعمرية ومهنية وغيرها، وكلها أمور كانت تقوم بها اللجنة العليا للانتخابات في وقت سابق، وأصبحت اليوم الهيئة عاجزة عن تعذية الموقع بها، ما جعل الطامحين من الباحثين والإعلاميين الباحثين عن المعلومة، يركضون خلف المواقع الإلكترونية الأخرى وخلف بعض وسائل الإعلام الرسمى وغير رسمي، وما ينشر فيها من معلومات ربما تكون غير منطقية.
هكذا يتبين أن الهيئة التي كان يرجى منها أن تكون آلية للشفافية والحياد والموضوعية، أصبحت أحد أسباب المشكلة، ولربما كانت ضمن المؤشرات التي تثبت أن المجال العام يحتاج إلى جهد كبير كي يفيق من كبوته.
الانتخابات، هي المشاركة، وهي التنافس، وهي النتائج الغامضة للكافة. فإن عرفت النتائج مسبقا، انحسرت المشاركة، وفقدت الثقة في العلمية الانتخابية ولربما السياسية برمتها







