مقالات وآراء

د.تامر المغازي يكتب: خيرت فيلدرز.. عندما تتحول الصاعقة السياسية إلى فرقعة هواء!”

بعد أشهر من الضجيج الإعلامي والخطابات النارية التي هزت أركان المشهد السياسي في هولندا، ها هو ذا “خيرت فيلدرز” يخرج من معركة الانتخابات بأقل من حصته المتوقعة، وكأنما اكتشف فجأة أن الهولنديين لم يعودوا يصدقون وصفة “الكبش الفداء” السياسية!

لطالما قدم فيلدرز نفسه على أنه الصوت الذي ينتظره الشعب الهولندي، المدافع عن “هولندا الحقيقية” في مواجهة ما يسميه “طوفان التأسلم”.

كان خطابه يشبه عروض الألعاب النارية: صاخب، مثير، ويترك وراءه دوياً هادراً. ولكن يبدو أن الناخب الهولندي، بعد فترة من الانبهار بالأضواء والضجيج، فضل في النهاية أن يفتح نوافذه ليتأكد: هل هذه حقاً ألعاب نارية؟ أم مجرد أعواد ثقاب أُضيئت في وضح النهار؟

ديماغوجية بلا ديموغرافية!

السر الذي أدركه فيلدرز متأخراً هو أن الخطاب المبني على كبش فداء واحد –المسلمون في هذه الحالة– يشبه بناء استراتيجية كروية على الاعتماد على لاعب واحد.

قد تنجح في بعض المباريات، لكنك في البطولة الكبرى، حيث تتنوع المشاكل وتتعقد التحديات، ستحتاج إلى خطة أكثر عمقاً، وإلى فريق متكامل. الناخب الذي يعاني من أزمة سكن، ويقلق على جودة التعليم والرعاية الصحية، لا يمكن أن يطمئن لخطاب يختزل كل همومه في “الخطر الإسلامي”!

الشعبوية.. وجبة سريعة تشبع الجياع سياسياً لفترة ثم تتركهم أكثر جوعاً!

لقد حاول فيلدرز أن يبيع للناس حلولاً بسيطة لمشاكل معقدة. وهي استراتيجية تشبه من يقدم للمريض دواءً مسكناً للألم بينما يحتاج إلى جراحة دقيقة. الناخب الهولندي، رغم كل الانقسامات، أظهر نضجاً غير متوقع.

لقد فضل في النهاية الأطباء الحقيقيين، حتى لو كان علاجهم مؤلماً وبطيئاً، على مسكنات فيلدرز الوهمية التي لا تعالج إلا أعراض الغضب والعصبية.

الدرس المستفاد: الناخب لم يعد يشتري “الغضب” إلا إذا كان مقروناً بـ “الأمل”!

فشل فيلدرز في تحقيق الاختراق المتوقع هو رسالة واضحة: أن تكون صاخباً مختلف عن أن تكون مقنعاً.

وأن تكون صريحاً مختلف عن أن تكون صادقاً.

السياسة ليست مسرحاً للعروض الاستعراضية، بل هي فن إدارة التعقيد وبناء التوافقات.

في النهاية، يبدو أن “الصاعقة” التي كان يعد بها الجميع تحولت إلى فرقعة هواء.

وهنا ربما تكمن المفارقة الساخرة الأكبر: ففي اللحظة التي كان فيها فيلدرز أكثر صخباً، كان تأثيره أقل وأضعف.

وكأنما اكتشف أن الصياح في واد، والشعب في واد آخر!

هولندا بلا فيلدرز افضل .

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى