شباك نورمقالات وآراء

د. أيمن نور يكتب : إثيوبيا وإريتريا… شرارة جديدة في القرن الإفريقي

تتصاعد من جديد رائحة البارود على ضفاف القرن الإفريقي، حيث يقف آبي أحمد على منصة الأزمات ليبيع لشعبه حلمًا قديماً بغلافٍ قوميٍّ جديد، فيعيد فتح جراح الحرب مع إريتريا تحت شعار استعادة “الحق التاريخي” في منفذٍ على البحر الأحمر. غير أن ما يسميه “حقًّا” ليس إلاّ محاولة للهروب من الداخل المأزوم إلى الخارج المشتعل، وتصدير الأزمات قبل أن تنفجر في وجه سلطته.

منذ سنوات، يمارس النظام الإثيوبي سياسة تقوم على الخداع الاستراتيجي: يبرر العنف ضد الأقاليم، ويبرم اتفاقات ثم ينقضها، ويُغرق المنطقة بخطابات التوسع والهيمنة. اتفاق بريتوريا الذي أنهى الحرب في شمال إثيوبيا عام 2022 كان فرصة نادرة للسلام، لكنه تحوّل سريعًا إلى هدنة هشّة استخدمها آبي أحمد لترتيب بيته الداخلي ثم الانقلاب على الجميع، بمن فيهم حلفاؤه الإريتريون الذين شعروا بالخديعة والاستبعاد.

ومع تجدد الاشتباكات في إقليم عفر، يتضح أن آبي أحمد لم يتعلم من التاريخ، بل يستدعيه ليعيد كتابة مأساةٍ جديدة. فحين تتحدث أديس أبابا عن “حقها في البحر الأحمر”، فهي لا تتحدث عن التنمية، بل عن مشروع توسّعٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ خطير يهدد استقرار المنطقة كلها، من السودان المشتعل إلى الصومال الهشّ، وصولاً إلى البحر الأحمر وباب المندب وقناة السويس.

هذه الحرب — إن اشتعلت — لن تكون حربًا حدودية، بل زلزالًا جيوسياسيًا جديدًا يضرب أمن الملاحة العالمية، ويهدد اقتصاد مصر مباشرةً. فكل اضطراب في البحر الأحمر ينعكس فورًا على قناة السويس، التي تمر عبرها نحو 10% من التجارة العالمية. ومصر التي تواجه ضغوطًا اقتصادية متراكمة لا تحتمل صدمة جديدة في أهم موردها الاستراتيجي.

الأخطر أن النظام الإثيوبي يحاول — تحت ستار هذا التوتر — تخفيف الضغوط الدولية حول سد النهضة، وإعادة خلط الأوراق عبر خلق جبهةٍ جديدة تخلط بين البحر والمياه، بين الميناء والسد، وكأنها رسالة ابتزازٍ للمنطقة بأكملها: “إما أن نمر من البحر، أو نحبس الماء”.

مصر، التي دفعت ثمنًا باهظًا من صبرها الدبلوماسي ومن استقرارها الاقتصادي، مطالَبة اليوم بموقفٍ أكثر حزمًا تجاه مغامرات آبي أحمد. فالأمن المائي والملاحي والوطني ليس ساحة مساومة. وإذا كانت إثيوبيا ترى البحر الأحمر بوابة أحلامها، فإن مصر تراه شريان حياتها، ودمها الذي لا يُباع ولا يُساوَم.

المعركة القادمة — إن قُدّر لها أن تقع — لن تكون بين دولتين فقط، بل بين منطقين: منطق السلام الذي تحميه القاهرة بصبرها الطويل، ومنطق التهوّر السياسي الذي يقوده آبي أحمد، متكئًا على وهم القوة ومهووسًا بأحلام الإمبراطوريات القديمة. لكن التاريخ علّمنا أن من يفتح النار على جيرانه سرعان ما تحترق يده قبل أن تصل النار إلى غيره.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى