
عندما فاز قيس سعيد، الأستاذ الجامعي والمحامي الدستوري، بالرئاسة في تونس عام 2019، حمل معه آمال التونسيين في إنهاء عهد الطبقة السياسية الفاسدة.
لكن المسار الذي اتخذه لاحقاً حوّله من “رئيس خارج الصندوق” إلى ما يُوصف بـ”الرئيس المُفرد” الذي أنهى التجربة الديمقراطية الواعدة في مهد الربيع العربي.
فكيف تحوّلت الديمقراطية الناشئة إلى حكم فردي؟
الشرعية الانتخابية البوابة إلى السلطة المطلقة جاء فوز سعيد المفاجئ نتيجة عوامل عدة منها الاستياء الشعبي من الأحزاب التقليدية و خطابه المناهض للفساد والنهج الحزبي و صورة الرجل النزيه غير المرتبط بالنخبة الحاكمة .
هذه الشرعية الانتخابية التي منحته إياها الصناديق أصبحت لاحقاً السلاح الذي استخدمه لتبرير إجراءاته الاستثنائية.
وجاء المنعطف الحاسم في يوليو 2021 بتجميد المؤسسات في 25 يوليو 2021، قام سعيد بسلسلة إجراءات وصفت بأنها “انقلاب دستوري ناعم” فقد قام بتجميد عمل البرلمان وكذلك إقالة الحكومة
وتعليق الحصانة البرلمانية
والسيطرة على القضاء عبر حل المجلس الأعلى للقضاء .
تم تبرير هذه الإجراءات تحت ذريعة “الخلل الطارئ” والفساد والفشل الحكومي في مواجهة جائحة كورونا.
كيف بنى سعيد نظامه الفردي؟
بالحكم بالمراسيم حوّل سعيد المراسيم الرئاسية إلى أداة تشريعية وحيدة، حاكماً البلاد دون رقابة برلمانية أو مشاركة تشريعية.
وقام بإعادة هندسة المنظومة القضائية فقد سيطر على القضاء عبر حل الهيئات المستقلة وتشكيل بدائل موالية له، مما أضعف استقلالية القضاء وسمح بملاحقة المعارضين.
وكذلك تغيير النظام الانتخابي.
أصدر قانوناً انتخابياً جديداً يقضي بنظام الاقتراع الفردي ويُضعف الأحزاب، مع إلغاء الهيئة المستقلة للانتخابات.
والسيطرة على الإعلام
فقد شهدت تونس تضييقاً على الحريات الإعلامية عبر ملاحقة صحفيين ونشطاء و إصدار قوانين تقيد حرية التعبير والسيطرة على الإعلام العمومي.
ولديه الخطاب الشعبوي
فقد استخدم خطاباً شعبوياً يخاطب “الشعب” مباشرة، ويصور المعارضين كأعداء وخونة، مما خلق قاعدة شعبية داعمة رغم الإجراءات الاستثنائية.
تونس بين التأييد والمعارضة
المؤيدون يرون في سعيد إنه منقذ البلاد من الفوضى الحزبية ومطهر النظام السياسي من الفساد و حامي السيادة الوطنية.
المعارضون يرون أن الديمقراطية التونسية تتراجع بشكل خطير و الحريات الأساسية تُنتَهك و الأزمة الاقتصادية تتفاقم دون حلول والنظام السياسي يعود إلى الحكم الفردي .
استحقاق المصير
تقف تونس اليوم عند مفترق طرق حاسم فالتجربة التي بدأت كأمل ديمقراطي فريد في العالم العربي تواجه اختباراً وجودياً.
السؤال الذي يطرح نفسه:
هل يستطيع حكم الفرد أن يحقق الاستقرار والتنمية التي عجزت عنها الديمقراطية الناشئة؟
أم أن التكلفة ستكون إهدار مكاسب الثورة وإعادة البلاد إلى مربع الحكم المطلق؟
إجابة هذا السؤال لن تأتي من الخطابات السياسية، بل من واقع الحياة اليومية للتونسيين، ومن قدرة النظام على تقديم حلول حقيقية لأزمات الاقتصاد والبطالة والخدمات، بعيداً عن الصراعات السياسية والاستقطابات الحادة.







