حفل توقيع كتاب الدكتور أيمن نور ” أوراق من مذكراتي ” شهادة على مصر فى نصف قرن بحضور المنصف المرزوقي ونخبة عربية

شهد المركز الثقافي المصري بإسطنبول حفلًا ثقافيًا حاشدًا، جمع بين افتتاح رسمي للمركز وتوقيع كتاب «أوراق من مذكراتي» للدكتور أيمن نور، في حضور الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، وعدد من القيادات السياسية والفكرية والإعلامية من مصر وتونس وسوريا وفلسطين وتركيا.
حفل غير عادي مع صباحية افتتاح المركز الثقافي المصري
استُهل الحفل بكلمة ترحيبية للحضور وتهنئة بافتتاح المركز الثقافي المصري في هذا «المكان المتفرد»، حيث وُصف الافتتاح بأنه «حفل غير عادي» يأتي بعد ليلة شهدت تدشين المركز وما يضمه من معروضات تجسد حقبًا تاريخية من تاريخ مصر الحديث والقديم.
وأشير في الكلمة الافتتاحية إلى أن المركز بما يقدمه من ثقافة وفنون وتاريخ «يقرب الشعوب من بعضها البعض»، ويجسد دور الثقافة كجسر يربط بين الشعب المصري والأمة العربية من ناحية، والشعب التركي والأمة التركية من ناحية أخرى.
كما جرى التأكيد على أن المركز ثمرة جهد استمر «أشهر طويلة» شارك فيه عشرات، إن لم يكن مئات، من الزملاء، وأن أبوابه، ومعها أبواب «جمعية الشرق الثقافية»، ستظل مفتوحة للجميع، مع دعوة الحضور إلى زيارة المركز ودعوة أصدقائهم وأحبابهم للتعرف على هذا الصرح.
فيلم تعريفي عن أيمن نور ثم بداية حكاية الستين عامًا
قبل أن يبدأ الدكتور أيمن نور كلمته، عُرض فيلم تعريفي قصير عنه، تناول محطات من مسيرته السياسية والإعلامية والحزبية والبرلمانية.
ثم قدّم المتحدّث باسم الحفل كتاب «أوراق من مذكراتي» باعتباره عملاً أدبيًا وسياسيًا في آن واحد، مشيرًا إلى أن المؤلف «كاتب بارع وقاص محنك وروائي يجيد جدل الكلمات»، وأن القارئ سيجد بين طيات الكتاب «الكثير والكثير من الفوائد» التي لا يمل من تكرار قراءتها، لما تحويه من تأملات في الثقافة والفن والتاريخ وتجربة شخصية ثرية.
نور: أتممت الستين… وكأنني عشت ألف عام
في كلمته الرئيسية، قال الدكتور أيمن نور إنه أتم اليوم ستين عامًا من عمره، قضى منها خمسةً وأربعين عامًا في العمل السياسي والإعلامي والحزبي والنيابي والقانوني، واصفًا هذه العقود الستة بأنها أشبه بـ«ألف عام وعام»، مليئة بالمعارك والسجون والمنفى والأحلام والانكسارات والانتصارات.
وروى نور كيف تعهّد لوالده ووالدته ألا يخاف يومًا من ظالم، وألا يتخلى عن مظلوم، وأن يحب وطنه «وإن جار عليه»، وأن يسامح حتى من ظلمه، مؤكدًا أنه حاول ونجح أحيانًا وفشل أحيانًا أخرى، لكنه «لم يتوقف عن المحاولة».
وأشار إلى أنه دخل السجن خمس مرات، كانت أطولها بعد أول انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ مصر عام 2005، حين ترشح في مواجهة الرئيس الأسبق حسني مبارك، موضحًا أن ما عاشه خلال نحو عقدين يكفي «لألف عام من الدراما الإغريقية»، إذ اجتمعت قسوة الحياة وغدر البشر والمأساة في قالب واحد.
من ثورة يناير إلى السجن والمنفى: مشاهد لا تُنسى
توقّف نور عند محطات إنسانية مؤثرة من تجربته، من بينها إصابته خلال ثورة يناير بحجر في الرأس ونقله إلى مستشفى العجوزة، حيث وجد نفسه في غرفة عناية مركزة مزدحمة بالمصابين، وتعرّف على شاب مجهول غُطي جسده بالكامل بطلقات الخرطوش، ظل يمسك بيده حتى شعر بـ«برد الموت»، دون أن يعرف اسمه، ليصبح هذا الشاب بالنسبة له رمزًا لثمن الحرية الذي دفعه كثيرون بلا أضواء ولا ألقاب.
كما روى واقعة أخرى بعد خروجه من آخر اعتقال له، حين كان تحت المراقبة الأمنية المستمرة، وتعرض أحد عناصر الأمن الذي كان يتتبّعه في الإسكندرية لحادث مميت أثناء مطاردته على دراجة نارية في شارع سوريا يوم عيد ميلاد نور، ليجد نفسه أمام مأساة أخرى: «هل كانت تورتة عيد الميلاد تساوي حياة إنسان؟». واعتبر أن هذا الرجل أيضًا كان ضحية «غباء منطق الأمن» أكثر من أي شيء آخر.
ستون عامًا من المعارك… بلا كراهية
خلال كلمته، شدّد نور على أنه، رغم كثرة المعارك التي خاضها وما تعرض له من ظلم وغدر واستبداد، يزعم أنه «لم يولد بعد من يستحق أن يلوث قلبه بالكراهية أو يغرق ضميره في شهوة الانتقام»، مؤكدًا أن الانتقام ضعف إيمان بقدرة من وصفه بـ«المنتقم».
وقال إنه تعلّم من سجنه ومنفاه أن الاستبداد هو ما يعرّف الإنسان بقيمة الحرية، وأن الغدر يكشف عظمة الوفاء، وأن الظلم يرسخ معنى العدل، معتبرًا أن كل طعنة تلقاها أفادته أكثر من كل تصفيق حصل عليه.
وأضاف أنه يؤمن بأن الحب هو «المصل الواقي من فيروس الكراهية» الذي أصاب بلادنا وأهلنا وأثقل ضمير المجتمع، مشيرًا إلى أنه لا يكره أحدًا لذاته، بل يكره الأفعال ويحب أن يرى في الآخرين ما هو أفضل.
الكتاب الحادي عشر… وولادة «أوراق من مذكراتي»
تحدّث نور بإسهاب عن مسيرته مع الكتابة، موضحًا أن «أوراق من مذكراتي» هو كتابه الحادي عشر، لكنه الأول الذي لم يكتبه بيده بالكامل، إذ اضطر، بسبب نزيف في عينه اليسرى، إلى إملاء معظم صفحاته على الحاسوب.
واستعرض رحلة كتبه السابقة منذ أواخر السبعينيات، بدءًا من كتيب صغير بعنوان «المصرية والقومية ومشاكل الأمة العربية» عام 1979، مرورًا بكتب عن الحرية السياسية، وقضية سليمان خاطر، و«اغتيال الكويت»، و«التغيير الآن»، و«الليبرالية هي الحل»، و«المضابط تتكلم»، و«رؤية»، وغيرها من الأعمال التي ارتبطت بمحطات سياسية حاسمة في تاريخ مصر والمنطقة.
وأوضح أن «أوراق من مذكراتي» نشأ في الأصل من مجموعة مقالات ورسائل كان يكتبها كأنها «رسائل في زجاجات تُلقى في البحر»، قبل أن يتلقى توصية مباشرة من الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، والصحفي أسامة فوزي، والدكتورة مجد رفاعة بجمع هذه النصوص في كتاب واحد.
وبيّن أنه اختار عنوان «أوراق من مذكراتي» بدلًا من «مذكرات» كاملة، لأن المذكرات تقتضي سردًا زمنيًا وتفصيليًا لأحداث وشخصيات، بعضهم ما زال في السجن ولا يستطيع الرد، وهو ما شعر معه بحرج أخلاقي، ففضّل أن يترك الباب مفتوحًا لمذكرات كاملة إذا امتد به العمر.
المرزوقي: نحن شركاء في الحلم نفسه
من جانبه، ألقى الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي كلمة حيّا فيها أيمن نور وكتابه الجديد، مشيرًا إلى أن علاقته به قديمة ومتعددة المفاصل، بدأت من ترشحه «الانتحاري» ضد نظام مبارك عام 2005، كما فعل المرزوقي نفسه في مواجهته للرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي في التسعينيات.
وقال المرزوقي إنه ونور يتشابهان في مساري السياسة والثقافة، فكلاهما عرف السجن والمنفى والاتهامات، وكلاهما مثقف ملتزم لا يرى في السياسة مجرد «مهنة سلطة»، بل التزامًا أخلاقيًا تجاه الشعوب، معتبرًا أن «المثقف الملتزم» هو من يجب أن يكون قدوة في مجتمعاتنا.
وتوقف عند الجدل حول مصطلح «الليبرالية» بين الثقافة الفرنسية والإنجليزية، معتبرًا أن الخلاف بينه وبين نور في التسمية لا يغيّر من جوهر الاتفاق حول الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وأكد المرزوقي أن الشراكة بينهما تعمقت في إطار «المجلس العربي» والحلم المشترك بـ«شعوب من المواطنين لا من الرعايا، ودول قانون ومؤسسات لا حكم فرد وأجهزة»، وصولًا إلى أمل قيام اتحاد للدول العربية الحرة والمستقلة على غرار الاتحاد الأوروبي، مشددًا على أن هذا الحلم، إذا نُقل إلى الأجيال القادمة، يمنح الأمة مستقبلًا حقيقيًا.
ووصف كتاب «أوراق من مذكراتي» بأنه «جزء من هذا الحلم»، لأنه يوثّق مرحلة كاملة من التاريخ الفكري والسياسي العربي والمصري.
قطب العربي: يوميات أكثر من كونها مذكرات
الصحفي والكاتب قطب العربي قدّم قراءة مهنية للكتاب من زاوية صحفية، موضحًا أنه يتجاوز قالب المذكرات التقليدية إلى صيغة «اليوميات» التي تجمع بين المعلومة ورشاقة الأسلوب، على طريقة مدرسة «أخبار اليوم» في الصحافة المصرية التي ينتمي إليها نور مهنيًا.
وأشار إلى أن نور تأثر بكبار الصحفيين الذين عمل معهم، وأنه يكتب بلغة أدبية جذابة تُسهّل على القارئ متابعة الأحداث الثقيلة دون ملل، لكنه شدّد في الوقت نفسه على أن التجربة السياسية والإنسانية لأيمن نور تستحق لاحقًا «مذكرات كاملة» أكثر توثيقًا وتفصيلًا، حتى لا تُترك كتابتها لآخرين قد يعيدون صياغة التاريخ بصورة مشوّهة.
أسامة رشدي: شهادة على أربعة عقود من التاريخ المصري
بدوره، وصف السياسي والحقوقي الدكتور أسامة رشدي كتاب «أوراق من مذكراتي» بأنه شهادة حية على ما يقرب من أربعة عقود من التاريخ المصري الحديث، بدأ خلالها نور من موقعه كرئيس لاتحاد طلاب المدارس الثانوية، مرورًا بالعمل الصحفي في «الوفد»، والمعارك السياسية مع وزراء الداخلية، والعمل البرلماني عن دائرة باب الشعرية لثلاث دورات، ثم الترشح لانتخابات الرئاسة عام 2005، وصولًا إلى المنفى بعد أحداث 30 يونيو.
واعتبر رشدي أن ذكاء نور السياسي تجلّى بوضوح عندما أدرك مبكرًا طبيعة المسار بعد 3 يوليو، ورفض أن يكون جزءًا من «إعادة إنتاج الاستبداد» رغم إمكانية استيعابه في مناصب رسمية، مفضّلًا أن يمارس دورًا آخر من خارج السلطة.
ودعا، هو الآخر، إلى كتابة مذكرات مفصلة، توثق ما عاشه نور وشهده من تحوّلات كبرى، حتى تستفيد الأجيال الجديدة من دروس النجاح والإخفاق، ومن مراجعات الفاعلين أنفسهم لا من روايات الخصوم أو المؤرخين المتأخرين.
تقدير للنخب الحاضرة وتوقيع بنبرة امتنان
في ختام الكلمات، وجّه أيمن نور شكرًا خاصًا للمنصف المرزوقي، ولقادة ونخب عربية وتركية وفلسطينية ومصرية حضروا الحفل، من بينهم الدكتور أسامة رشدي، قطب العربي، مختار كامل، الدكتور أحمد طعمة، الدكتور زياد العلّول، الدكتور أسامة سليمان، وعدد من الشخصيات الإعلامية والأكاديمية، إلى جانب رموز من المجلس العربي وضيوف من الجاليات العربية في إسطنبول.
ثم انتقل الحفل إلى فقرة توقيع الكتاب، حيث وقّع نور النسخ للحاضرين، لافتًا إلى أنه آثر أن يكون التوقيع «بقلم أهدته إليه الدكتورة ليلى» تقديرًا لرمزية الإهداء، ومؤكدًا أن هذه «الأوراق المنطوقة»، كما وصفها، ليست سوى جزء من حكاية ما زالت مستمرة.
واختُتم اللقاء بدعوة الحضور إلى ندوة تالية ضمن فعاليات المركز، حول «الصحافة التركية المعارضة للدولة العثمانية في مصر»، في الصالون الثقافي التابع للمركز، في إشارة إلى أن هذا الصرح الجديد في إسطنبول لن يكون مجرد قاعة عرض، بل فضاءً حيًا للحوار والفكر والثقافة العربية.































