مقالات وآراء

زياد العالول يكتب: ازدواجية المعايير الغربية بين كييف وغزة.. العدالة المفقودة 

منذ تأسيس النظام العالمي الحديث عقب الحرب العالمية الثانية، تَشكَّلت مؤسسات دولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن وصندوق النقد الدولي تحت شعار حماية السلم والأمن الدوليين، غير أن الواقع أثبت أن هذه المنظومة صُممت بالأساس لخدمة مصالح القوى الكبرى، وليس لحماية الشعوب المستضعفة، خصوصًا في العالمين العربي والإسلامي. 

ازدواجية المعايير الغربية لم تعد خافية على أحد، وتتجلى بأوضح صورها في طريقة التعامل مع قضيتين معاصرتين: الحرب الروسية الأوكرانية من جهة، والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين من جهة أخرى.

فبينما تُحشد طاقات العالم للدفاع عن كييف، تُغضّ الأبصار عن معاناة غزة والضفة الغربية تحت الاحتلال. 

أولًا: الضحية تختلف باختلاف الجغرافيا 

في حالة أوكرانيا، صُوِّرت الحرب على أنها عدوان صارخ من قوة احتلال على الاراضي الاوكرانية، فهبّ العالم الغربي لنجدة كييف، فارضًا العقوبات على موسكو ومُحاصرًا اقتصادها. 

أما في فلسطين المحتلة، فالمعادلة تنقلب رأسًا على عقب؛ فالمحتل يُقدَّم كضحية، والمقاوم يُوصَم بالإرهاب، رغم أن القانون الدولي نفسه الذي أعطى الأوكرانيين حق الدفاع عن أرضهم هو ذاته الذي يمنح الفلسطينيين الحق في مقاومة الاحتلال. 

ثانيًا: سلاح لأوكرانيا… وحصار لفلسطين 

لم يتردد الغرب في تزويد كييف بأحدث أنواع الأسلحة، بل فُتحت أبواب التطوع الدولي للقتال ضد روسيا.

في المقابل، يُجرَّم أي دعم للمقاومة الفلسطينية، وتُلاحَق الجمعيات الإغاثية بحجة “تمويل الإرهاب”، فيما يُغدق الدعم العسكري على إسرائيل بلا حدود من كل الدول الغربية وعلى راسهم امريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا .

ثالثًا: أعلام تُرفع وأخرى تُحظر 

غزت الأعلام الأوكرانية المؤسسات الرسمية الأوروبية، في مشهد تضامن واسع النطاق، تم رفع العلم الاوكراني ومازال على معظم المؤسسات الاوربية مثل الاتحاد الاوربي ومقر رئاسة الوزراء البريطاني ورئاسة الجمهورية الفرنسية والالمانية بينما تم محاولة تجريم رفع علم فلسطين في بعض المدن الأوروبية على المستوى الشعبي وهذه المحاولة فشلت من قبل تحدي الجماهير الاوربية المتعاطفة مع فلسطين للقرار، وتُلاحق الجماهير التي تُعبّر عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني. ولولا التفاعل الشعبي العارم، لتم سنّ قوانين تُجرّم حتى الرموز الوطنية الفلسطينية 

رابعًا: العقوبات الاقتصادية… معيار مزدوج 

فرض الغرب عقوبات قاسية على روسيا، وجمّد أصولًا روسية قُدّرت بنحو 350 مليار دولار، جرى تحويل جزء منها لدعم أوكرانيا.

أما في الحالة الفلسطينية، فالعقوبات تُوجّه نحو الضحية لا الجلاد: يُحاصر الاقتصاد الفلسطيني، وتُقطع المساعدات عن وكالة “الأونروا”، وتُغلق القنوات المالية أمام التحويلات إلى غزة والضفة، في حين يستمر الدعم الاقتصادي لإسرائيل دون مساءلة. 

خامسًا: الرياضة والفن ساحة أخرى للنفاق 

بعد أيام من اندلاع الحرب في أوكرانيا، تم تجميد مشاركة روسيا في البطولات الدولية مثل الفيفا و اليوفا وغيرها من المسابقات.

أما إسرائيل، التي تواجه اتهامات رسمية بارتكاب إبادة جماعية في غزة حسب وصف محكمة العدل الدولية، فما تزال تشارك بحرية في كل المنافسات الرياضية، رغم تدميرها للبنية التحتية الرياضية الفلسطينية وقتلها المئات من الرياضيين والمدربين الفلسطينيين 

سادسًا: الأبطال… حسب المقاييس الغربية 

استُقبل الرئيس الأوكراني فلديمير زيلينسكي استقبال الأبطال في المحافل الدولية، باعتباره رمزًا للمقاومة.

في المقابل، يُلاحق قادة المقاومة الفلسطينية بتهم “الإرهاب”، رغم أنهم يواجهون احتلالًا دام أكثر من سبعة عقود.

يبدو أن البطولة، في المنظور الغربي، تُمنح فقط لمن يقف في صف المصالح الغربية 

سابعًا: اللاجئون… لون العين يحدد المصير 

فُتحت أبواب أوروبا على مصراعيها أمام اللاجئين الأوكرانيين، ووفّرت لهم الإقامة والرعاية والتعليم. أما اللاجئون الفلسطينيون، فواجهوا جدرانًا من الرفض، بل وحتى حملات ترحيل، رغم أن معاناتهم تمتد لعقود طويلة.

إنها إنسانية انتقائية لا ترى الألم إلا إذا كان بلونٍ أوروبي وعيون زرقاء وحتى لم الشمل لمواطنين اوربيين من اصول فلسطينية لم تفلح رغم كل المحاولات الحثيثة على كل المستويات. . 

ثامنًا الإعلام الغربي… أداة تشكيل الوعي 

من الجدير الإشارة إلى أن التغطية الإعلامية الغربية تلعب دورًا جوهريًا في تكريس هذه الازدواجية. فالإعلام الذي يصف المقاتل الأوكراني بـ“المدافع عن وطنه”، يصف نظيره الفلسطيني بـ“الإرهابي”.

بل يتم تبرير قصف المدنيين في غزة على أنه “حق في الدفاع عن النفس”، في مشهد يُظهر حجم الانحياز الممنهج ولولا بعض المساحة الموجودة على منصات التواصل الاجتماعي لأصبحت صورة الفلسطيني في أبشع صورها والمحتل المجرم هو الضحية وهو من يستحق التعاطف أضف الى ذلك كيف انحازت منصات التواصل الاجتماعي المملوكة في معظمها الى صهاينة من منع وصول المحتوى الفلسطيني الى الجمهور ورغم ذلك انتصرت السردية الفلسطينية على سردية الاحتلال وأصبح الجمهور الغربي أكثر وعيا بقضية احتلال فلسطين وصراعه مع المحتل 

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى