مقالات وآراء

د. تامر المغازي : صفارة الإنقاذ الاقتصادي عندما يتحول القطار البشري إلى موجة اغتنام جماعي

في عام 1960، شهدت شوارع العباسية واحدة من أبرع عمليات “الجذب الجماعي” في التاريخ.

لم تكن عملية بيع على آخر موضة، ولا عرضاً ترفيهياً، بل كانت هروباً جماعياً لـ 243 نزيلاً من مستشفى الأمراض العقلية، بسبب إهمال الحراس.

كارثة بكل المقاييس، لكن حلها كان أكثر إثارة.

فبدلاً من شباك التذاكر وشروط السفر، كانت الصفارة بيد الطبيب “جمال”، الذي لم يكتفِ بشهادة الطب النفسي، بل أضاف إلى مهاراته “قيادة القطارات البشرية”.

انطلق القطار البشري – الطبيب ومعه عدد من الموظفين – في شوارع العباسية يرددون “تووووت توووووت”، وكأنهم في كرنفال شعبي، لا في مطاردة خطيرة.

والغريب أن الخطة نجحت! كل “مجنون” هارب انجذب إلى الصفارة واللعبة، وتم استعادتهم.

لكن المفاجأة الكبرى كانت عند العودة فعدد “الركاب” قفز من 243 إلى 612! أي أن القطار عاد بمضاعفة العدد، وكأنه “قطار العلاوات” أو “ترقية استثنائية”!

السؤال الساخر: من أين أتت هذه الأعداد الإضافية؟

التفسيرات منطقية جداً! ربما انضم بعض المارة – ممن أنهكهم البحث عن وسيلة مواصلات – إلى القطار كحل مؤقت.

أو ربما وجد فيه العاطلون عن العمل فرصة للانضمام إلى “رحلة مجانية” بعيداً عن أزمة المواصلات. أو لعل بعض المواطنين – سئموا من صعوبة الحياة – قرروا أن “الجنون” قد يكون مهرباً من واقع لا يقل “جنوناً”!

المشهد يتكرر اليوم.. ولكن!

لو تكرر المشهد اليوم في ظل ارتفاع الأسعار “المجنون” – والذي يفوق أي خيال – واختفاء الأمن والأمان، وارتفاع أسعار البنزين والمواصلات والطعام وكل شيء، فمن المتوقع أن يصبح “قطار الدكتور جمال” أشبه بموكب “الملوك والرؤساء”!

لن يكون الركاب 612 فقط، بل قد يصل العدد إلى آلاف!

فمن منا لا يبحث عن “تذكرة مجانية” في زمن أصبحت فيه “الحركة” جريمة؟

ومن لا يرغب في الانضمام إلى “رحلة منظمة” حيث الوجهة غير معروفة، لكنها بالتأكيد أفضل من الوقوف في طوابير الخبز والوقود؟

في الماضي، كانت “صفارة الدكتور جمال” كافية لجمع الهاربين من المستشفى.

أما اليوم، فربما تحتاج الحكومة إلى “صفارات” في كل شارع لجمع من هربوا من “جنون الأسعار” و”هوس المواصلات”! لكن احذروا..

فإذا انطلق القطار، فقد لا يعود بعدد محدد، بل بجمهور غفير، يبحث عن أي مخرج من “الواقع المر” الذي نعيشه.

فهل نستعد لركوب القطار القادم؟

أم أن “الجنون” أصبح رفاهية لا نقوى عليها؟!

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى