
أظهرت الاستراتيجية الأمنية الوطنية الأمريكية لعام 2025 تحولًا جوهريًا في طريقة فهم واشنطن للتهديدات العالمية. فبدل التركيز التقليدي على روسيا والصين كخصمين استراتيجيين، تشير الوثيقة بوضوح إلى أن الخطر الأكبر على المدى المتوسط يأتي من داخل أوروبا نفسها. والسبب ـ كما تقول واشنطن ـ هو التحول الديمغرافي الناتج عن استقبال أوروبا ملايين اللاجئين المسلمين السنة خلال السنوات الماضية، حتى بلغ عددهم نحو 25 مليونًا من أصل 450 مليون أوروبي.
وترى الولايات المتحدة أن هذا التحول الديمغرافي لن يبقى رقمًا على الورق، بل سيعيد تشكيل بنية المجتمعات الأوروبية، ومؤسساتها، وقواها العسكرية. إذ تتوقع الوثيقة أن يشكل المسلمون نصف جيوش أوروبا خلال عقدين فقط، وهو ما تصفه واشنطن بأنه تحول استراتيجي قد يسمح لتركيا والسعودية بإحداث تأثير بالغ داخل القارة “دون إطلاق رصاصة واحدة”، في إشارة إلى ما تسميه الوثيقة “الانقلاب الهادئ”.
ظهور الإخوان داخل المشهد الأمني الجديد
ورغم أن الوثيقة لا تشير إلى الإخوان المسلمين بالإسم، فإن التحليل الذي تقدمه يعتمد على قدرة المجتمعات المسلمة على التنظيم والحضور الفاعل داخل البيئات الغربية. وهنا تظهر الجماعة بوصفها الأكثر انتشارًا وتأثيرًا داخل المؤسسات الإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة، سواء من خلال:
• المساجد والمراكز الدعوية
• الجمعيات الخيرية
• اتحادات الطلاب والشباب
• منظمات المجتمع المدني
• المبادرات التعليمية والثقافية
هذه الشبكات تمثل ـ في منظور الأمن الغربي ـ البنية التحتية الأكثر تنظيمًا داخل الجاليات المسلمة، الأمر الذي يجعل جماعة الإخوان محورًا طبيعيًا لأي نقاش يتعلق بتوازنات الوجود الإسلامي في الغرب.
من الصدام السياسي إلى الاستهداف البنيوي
لهذا، يصبح الضغط الغربي المتزايد على الجماعة خلال السنوات الماضية مفهومًا في سياق أوسع. فالتصنيفات الإرهابية التي دفعت إليها بعض الحكومات، والتضييق على المؤسسات الإسلامية، ومحاولات الحد من التمويل والعمل الاجتماعي، كلها خطوات تتسق مع رؤية استراتيجية تعتبر أن النفوذ الإسلامي المنظم قد يشكل تحديًا طويل المدى لأوروبا.
وتكشف الوثيقة أن الاستهداف يقوم على ثلاثة مسارات رئيسية:
1. تحجيم القوة المنظمة للجماعات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان باعتبارهم الأكثر تأثيرًا داخل الجاليات.
2. إضعاف المراكز الإسلامية المرتبطة بهم، لأنها بنية نفوذ عابرة للحدود وليست مجرد مؤسسات محلية.
3. اختبار قدرة الجماعة على إعادة إنتاج خطابها السياسي والدعوي بما يجعله منسجمًا مع المعايير الغربية.
الصراع يتجاوز الشرق الأوسط.. إنه صراع على هوية الغرب
الوثيقة لا تنظر إلى الإسلام السياسي باعتباره قضية مرتبطة بالشرق الأوسط فقط، بل بوصفه عنصرًا مؤثرًا في مستقبل أوروبا نفسها. فالمعركة الحديثة ـ كما تصفها الوثيقة ـ تتعلق بـ:
• الهوية الثقافية للقارة
• التوازن الديمغرافي
• طبيعة الاندماج الاجتماعي
• تحولات القوة داخل المؤسسات الغربية
• ومستقبل المشاركة السياسية للمسلمين
وفي هذا السياق، تصبح جماعة الإخوان لاعبًا محوريًا لأنها تمثل التيار الأكثر تنظيمًا داخل المجتمعات المسلمة، والأقدر على التأثير في مسارات الاندماج والتصويت والتمثيل السياسي.
إلى أين يتجه المشهد؟
المحصلة أن واشنطن ترى أن تفكيك النفوذ الإسلامي يبدأ بتفكيك الإخوان، أو على الأقل إعادة صياغة حضورهم بما يقلل قدرتهم على التأثير في المشهد الديمغرافي والسياسي الغربي. ولهذا تتزايد الضغوط على الجماعة وعلى المؤسسات المرتبطة بها، في محاولة لإعادة تعريف شكل الوجود الإسلامي في أوروبا.
ويبقى السؤال الأهم:
هل ستتعامل الجماعة مع هذا التحول باعتباره ضغطًا سياسيًا يفتح الباب للتفاوض؟
أم أننا أمام صدام ديمغرافي وثقافي أعمق قد يعيد تشكيل وجود المسلمين في الغرب.. ويعيد تشكيل الإخوان أنفسهم تنظيميًا وفكريًا؟







